استمرت سلطات الاحتلال في معاقبة سكان قطاع غزة، بفرض قيود على حركة البضائع، والاستمرار في منع المرضى والمصابين من السفر للعلاج في الخارج، كما قامت بشن عدة غارات أوقعت مزيدا من الضحايا، خلافا لبنود اتفاق التهدئة، في الوقت الذي كنت تلقي فيه اللوم على المقاومة بعدم تطبيق بنود الاتفاق.
وأعلنت وزارة الصحة عن استلام 30 جثماناً لشهداء تم الإفراج عنهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بواسطة الصليب الأحمر، ليرتفع بذلك إجمالي عدد جثامين الشهداء المستلمة إلى 120 جثماناً.
وأشارت إلى أنه تم التعرف على هوية 4 شهداء من قبل ذويهم، مشيرة إلى أن بعض الجثامين تظهر عليها علامات التنكيل والضرب وتكبيل الأيدي وتعصيب للأعين، وقالت إن طواقمهما الطبية تواصل التعامل مع الجثامين وفق الإجراءات الطبية والبروتوكولات المعتمدة، تمهيداً لاستكمال عمليات الفحص والتوثيق والتسليم للأسر.
ضحايا هجمات جديدة
ميدانيا، ارتقى شهيد برصاص جيش الاحتلال شرقي مخيم البريج وسط قطاع غزة، كما استشهد المواطن أسعد السيد متأثرًا بجروح أصيب بها بعد وقف إطلاق النار أثناء تفقده لمنزله شرقي المخيم، فيما استشهاد الشاب عبد الهادي القرعة، من سكان شمال مخيم النصيرات، متأثرًا بجراحه الخطيرة التي أُصيب بها قبل 3 أسابيع نتيجة قصف إسرائيلي على المنطقة.
وفي حادث آخر نقضت فيه إسرائيل اتفاق التهدئة، استشهد محمد قويدر، بقصف من مسيرة إسرائيلية استهدف منطقة معن شرقي مدينة خان يونس جنوبي القطاع، كما استشهد ربحي النجار متأثرًا بجروح أصيب بها بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي بمنطقة قيزان النجار جنوبي المدينة قبل أيام.
بعض الجثامين تظهر عليها علامات التنكيل والضرب وتكبيل الأيدي وتعصيب للأعين
وجاء ذلك في وقت أعلن فيه مجمع ناصر الطبي في خان يونس، عن استقباله مصابين بنيران مسيرة إسرائيلية، عندما استهدفت جمع من المواطنين في بلدة بني سهيلا شرقي المدينة، فيما استهدفت مسيرة إسرائيلية بلدة عبسان.
وذكرت مصادر محلية أن آليات الاحتلال أطلقت النار بكثافة على منطقة قيزان النجار جنوبي المدينة، حيث أثار ذلك خوف سكان المناطق القريبة وبينهم سكان كثر يسكنون الخيام.
كما طال الاستهداف المدفعي وعمليات إطلاق النار من رشاشات ثقيلة، أطراف من حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وتتعمد قوات الاحتلال التي تتمركز على طول ما يعرف بـ "الخط الأصفر”، إطلاق النار بكثافة وكذلك إطلاق القذائف المدفعية على عدة مناطق قريبة، في وقت يكون فيه المواطنون يحاولون تفقد منازلهم هناك، وفقا لاتفاق التهدئة.
وتدلل الهجمات الإسرائيلية، على أن حالة الهدوء لا تزال مضطربة، وسط حالة ترقب شديد بين سكان القطاع الذين عانوا على مدار عامين من الحرب.
تهديدات إسرائيلية
وجاء ذلك في الوقت الذي علت فيه أصوات التهديد الإسرائيلية، بالعودة من جديد للحرب، وكشف وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أنه طلب من الجيش إعداد خطة لهزيمة حماس في حال استئناف القتال.
وقال خلال اجتماعه مع قيادة الجيش الإسرائيلي، إنه طالبهم فيها بإعداد "خطة شاملة” إذا رفضت حماس تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل ظهر الجمعة الماضية حيز التنفيذ بناء على الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وعقب ذلك أعلنت الوزارة مهددة "إذا رفضت حماس تطبيق الاتفاق، فستعود إسرائيل، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، إلى القتال وستعمل على هزيمة حماس تماما، وتغيير الواقع في غزة، وتحقيق جميع أهداف الحرب”.
أما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير فقال "نتموضع في مواقع سيطرة تتيح لنا العودة إلى القتال في أي لحظة إذا طلب منا ذلك”.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار، ينص على عقد صفقة شاملة للأسرى الأحياء، وهو ما تم بالفعل يوم الاثنين الماضي، بإطلاق حماس سراح 20 إسرائيليا، على أن يلحق بذلك تسليم الحركة لجثث القتلى الإسرائيليين، وهو أمر لم يتم حتى اللحظة بشكل كامل، إذ قام الجناح العسكري لحماس بتسليم 12 جثة، وأكد أن الوصول لباقي الجثامين المدفونة يحتاج إلى وقت ومعدات.
وجاءت هذه التهديدات الإسرائيلية، بعد تهديدات أخرى أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال فيه إنه سيدرس السماح لإسرائيل باستئناف العمل العسكري في غزة إذا رفضت حماس الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، وأضاف القوات الإسرائيلية قد تستأنف القتال "بمجرد أن أقول الكلمة”.
القسام: ملتزمون بالاتفاق
في المقابل، أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، أن المقاومة التزمت بما تم الاتفاق عليه، وقامت بتسليم جميع من لديها من الأسرى الأحياء وما بين أيديها من جثثٍ تستطيع الوصول إليها.
وقالت إن ما تبقى من جثث "تحتاج جهوداً كبيرة ومعداتٍ خاصة للبحث عنها واستخراجها”، وأكدت أن المقاومة تبذل جهداً كبيراً من أجل إغلاق هذا الملف.
وتعيق أكوام الركام الكبيرة التي خلفتها الهجمات الإسرائيلية على غزة خلال الحرب، وكذلك تدمير أنفاق حماس، والتجريف الكبير الذي طال مناطق واسعة في القطاع، وصول نشطاء حماس إلى أماكن جثامين الإسرائيليين القتلى.
وفقا لمصادر مطلعة، فإن عمليات البحث عن الجثامين تكثفت خلال اليومين الماضيين، ومن بينها أعمال اتصال بالمجموعات التي كانت تتولى حماية الأسرى الإسرائيليين لتحديد أماكن تواجد الجثامين، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الوقت، وأن عمليات البحث ستتكثف في هذه الأوقات، حتى الوصول إلى باقي الجثامين.
ويكثف وسطاء التهدئة المصريين والقطريين في هذا الوقت، الاتصالات بهدف المحافظة على استمرار سريان الاتفاق، ومنع انهياره، في ظل هذه التهديدات الإسرائيلية، ووفقا للمعلومات المتوفرة، فإن هناك فرق أمنية في العاصمة القاهرة، لا تزال تتابع تنفيذ بنود الاتفاق.
وتقول قناة ” i24news” الإسرائيلية، إن مسؤولين في جهاز "الشاباك”، والجيش الإسرائيلي، يعملون على تنفيذ الاتفاق مع الوسطاء في القاهرة، فيما المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، منخرط ويضغط على حماس من أجل تنفيذ كامل ينود الاتفاق.
استمرار معاقبة غزة
في المقابل، استمرت العقوبات الإسرائيلية على قطاع غزة، بزعم عدم تسليم جميع الجثامين، وأبقت سلطات الاحتلال على إبطاء عملية إدخال البضائع والمساعدات إلى قطاع غزة، حيث لم يصل عدد الشاحنات التي تدخل حتى اللحظة، ذلك العدد المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار.
كما أبقت سلطات الاحتلال على إغلاق معبر رفح البري، والذي كان الاتفاق ينص على فتحه يوم الأربعاء الماضي، لخروج أولى دفعات المصابين والمرضى الذين يحتاجون للسفر للعلاج في الخارج.
ويأتي قرار إسرائيل باستمرار التضييق على غزة، رغم تزايد معاناة السكان، ومطالبات المنظمات الدولية لإسرائيل لفتح جميع المعابر الحدودية فورًا والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية اللازمة دون أي قيود.
ورغم التهدئة، لم يطرأ أي تغيير على الموقف الإسرائيلي الذي يستمر في فرض قيود صارمة تعرقل عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا”، رغم تفاقم الكارثة الإنسانية داخل القطاع.
وقال المستشار الإعلامي لـ "الأونروا” عدنان أبو حسنة، إن منظمته الأممية وضعت خطة سيتم تطبيقها إذا أُدخلت المساعدات، في 3 مجالات، توزيع المواد الغذائية والأغطية والخيام، والصحة والتعليم.
وأشار إلى أن لديها 6 آلاف شاحنة بها مواد غذائية تكفي لمدة 3 شهور، وأيضًا بها مئات الآلاف من الخيام والأغطية التي تحتاج الوكالة إلى إدخالها فورًا.
وأكد جاهزية "الأونروا” لتوزيع المساعدات على الناس إذا تم إدخالها، حيث لديها 12 ألف موظف في قطاع غزة وآخرين يعملون بعقود مؤقتة، وتملك خبرة في مجال توزيع المساعدات تمتد لأكثر من 76 عامًا.
ولا تزال إسرائيل تمنع "الأونروا” من العمل في قطاع غزة، بما في ذلك إدخال المساعدات للسكان الذين عانوا ويلات الحرب.
كما أعلن أبو حسنة أن "الأونروا”، وضعت أولوية لإعادة 140 ألف طالب إلى مقاعد الدراسة في قطاع غزة، بعد أن حرموا منها بسبب الحرب، وأن هناك أطفال أعمارهم 10 سنوات لا يعرفون القراءة والكتابة، مشيرا إلى أن أكثر من مليون فلسطيني في قطاع غزة هم من الأطفال، وحتى الآن لم يحدث أي تغيير في ظروفهم.