اخبار البلد
أول ما تحدث به وزير الصناعة والتجارة الأردنى الجديد هو نية الحكومة رفع الدعم عن السلع والخدمات، تحت مسمى "إيصال الدعم لمستحقيه" كونه -حسب الحكومة- 60% من ذلك الدعم يذهب لغيرمستحقيه من الموسرين تحديدا.
والحقيقة أن ما ستفعله الحكومة ليس رفع الدعم المزعوم، بل هو رفع للأسعار سنبين لصالح من سيتم. ولكن الطريف لسذاجته، أن الوزير يقول إن تنفيذ القرار مرهون بتوفر "حالة من الهدوء السياسي"، في إشارة للحراك الشعبي. فإذا كان قوله هذا يأتي في طلب موجه للحراك الذي استقبل الحكومة عشية تشكيلها برفضها مرفقة برفض اتفاقية "وادي عربة" التي لا ينفك رئيس الحكومة الجديد يذكر بترؤسه وفدها (انتقاليا ومؤقتا وحتى شكليا أيضا كون التفاوض جرى سرا قبل ذلك بسنوات)، فهو طلب قمة في الطرافة .. إما إذا كان وزير الصناعة والتجارة ينتظر زميله في "الداخلية" لتحقيق ذلك الهدوء بالقبضة الأمنية التي شددت مؤخرا بما أثار استنكار العالم كله وارتد سلبا على الحكم، فهو تأكيد على نية تصعيد القمع مضاعفا، كون قرار الحكومة هذا برفع الأسعار، لو وقع على مشهد شارع نائم لانتفض.. فهذا تحديدا ما حدث ربيع عام 1989.
ونعود لزعم "الدعم" هذا الذي يُتعذر به بشكل رئيس للتسول باسم الأردنيين أو -وهو الأسوأ- للاقتراض باسمهم .. وكلاهما، المساعدات والقروض، لا تذهب لمستحقيها من الشعب، بل للأثرياء والمتنفذين. والشعب تحدث صراحة، عبر الصحافة وعبرالحراك وفي كل مناسبة، عن مآل معونات وقروض، من أبرزها ما قيل عن أن آخر معونة سعودية فاقت المليار وصلت كاش بالطائرة تحديدا كي لا تدخل الخزينة.. وهذا موثق في تغطيات الصحافة لقصة عزل مفاجئ لمحافظ البنك المركزي. ومن هنا فلا معنى لحديث وزير الصناعة عن زيادة دخل الخزينة المفتوحة على جيوب المتنفذين والأثرياء.
ولتبيان بعض أشكال الدعم الذي يذهب كله للأثرياء خفية، نذكّر بأن ما يقارب ربع ثمن الوقود في الأردن هو ضريبة تذهب لتلك الخزينة، وظل يجري التكتم على هذه المعلومة وحتى "تطنيشها" حين يذكرها كتاب اقتصاديون. ولتغييب المعلومات اضطررتُ في مقالة نشرت على هذا الموقع قبل سنوات عن إحدى عمليات رفع أسعار الوقود، للقيام بحسبة معقدة لأصل لحجم ما جرى صبه من جيوب الشعب لجيوب أصحاب محطات بيع الوقود عبر فلس زيدَ على عمولتهم عن كل لتر وقود، ولم ينتبه له أحد لكونه "فلسا"، وأظهرت أن ملايين الدنانير ستصب سنويا لجيوب أصحاب المحطات التي أغلبها سلاسل يملكها متنفذون.
وتلك عينة فقط لكشف بعض الحبك المخفي "لدعم" حلقة المتنفذين الذين تحولوا عبرها لفاحشي ثراء، ولكن المعروف للعامة لا حصر له ومنه: توزير الأقارب والمحاسيب غير المؤهلين بتاتا، فحتى الحكومة الانتقالية المؤقته الحالية التي تتحدث عن أزمة اقتصادية، جاءت بعشرة وزاء جدد ضمن ثلاثين تم التجديد لأغلبهم لرفع درجة انتفاعهم وسلالتهم من بعدهم من مزايا المناصب التي توالى رفعها مؤخرا. وهنالك أعداد ضخمة من السيارات الفارهة بلا جمرك تعطى ليس فقط لشاغري المناصب، بل لزوجاتهم وأبنائهم بل وتوزع هدايا تخرّج طلاب فاشلين. ولحلقة المحظيين المغلقة تحال كافة المشاريع الكبرى بما يخرق القوانين والدستور صراحة (كما في قصة سكن كريم).. وهنالك "المكارم" التعليمية التي تحرم متفوقين من دخول الجامعة، سواء لفقرهم أو لقلة ما يتبقى من مقاعد بعد تخصيص أغلبها بعثات للمتخلفين من أبناء المتنفذين، وهذا غير من يدرسون في الخارج على نفقة الدولة.. بل ووصلت "المكارم" حد تقاسم أراض عامة دون أي وجه قانوني. والأهم أن ما أسمي خصخصة القطاع العام، هو بيع بخس له لشركات هؤلاء المتنفذين أو لشركات يعمل هؤلاء سماسرة لها، ومن أبرز ما عرضناه منها على هذا الموقع، بيع شركتي إنتاج وبيع الكهرباء بأثمان بخسة مقابل أرباع فاحشة تحققت للشاري- السمسار، في حين حملت الشركة الثالثة الناقلة للكهرباء (مع أن الشركة المنتجة هي من يجب أن تتحمل فروق أسعار الوقود) التي أبقيت حكومية، مديونية تزيد على المليار دينار، والآن يراد للمستهلك تسديدها برفع ما زعم أنه كان دعما له .. وهو رفع سيرفع أسعار كل السلع والخدمات التي يحتكر أغلبها متنفذون أيضا، وسيكون الرفع أعلى من أية كلفة إضافية مزعومة لرفع الوقود .. كما العادة !!