" صدر كتاب جديد للأستاذة الدكتورة أماني غازي جرار بعنوان "إعادة تخيّل هندسة التعليم في العصر الرقمي: مسارات الابتكار في الأردن"
Re-Imagineering Education in the Digital Age: Pathways to Innovation in Jordan
وهو عمل أكاديمي رائد يطرح رؤية شاملة لإعادة تخيّل هندسة التعليم في الأردن في ضوء التحولات الرقمية. يمثل هذا الإصدار مساهمة علمية ومعرفية متميزة في النقاشات الوطنية والعالمية حول مستقبل التعليم، حيث يجمع بين العمق الفلسفي والدقة المؤسسية والرؤية التقنية في معالجة قضايا التعليم المعاصر.
جاء الكتاب الذي قدم بأسلوب منهجي فلسفي باللغة الإنجليزية ،وهو في خمسة فصول مترابطة، صيغت بعناية لتغطي مختلف الأبعاد النظرية والتطبيقية للتحول الرقمي في التعليم. في الفصل الأول، تقدم المؤلفة قراءة معمقة لمفهوم التعليم في العصر الرقمي، موضحة محدودية النماذج التقليدية القائمة على التلقين، والحاجة الماسة إلى فلسفة تعليمية جديدة تركز على الإبداع والابتكار وتنمية مهارات التفكير النقدي. أما الفصل الثاني، فيتناول مفهوم "إعادة تخيّل هندسة التعليم" أو Re-Imagineering ، بوصفه مدخلاً لتغيير شامل لا يقتصر على إصلاحات جزئية، وإنما يعيد صياغة الغايات والقيم والأطر المؤسسية والتكنولوجية.
وفي الفصل الثالث، تتناول المؤلفة الحالة الأردنية، حيث تقدم تحليلاً دقيقاً للفجوات والتحديات التي تواجه التعليم، مثل ضعف البنية الرقمية، الفجوة بين السياسات والتطبيق، وعدم تكافؤ الموارد. لكنها في الوقت نفسه تبرز الفرص الكبيرة الكامنة في التجربة الأردنية، لا سيما بعد تجربة التعلم عن بعد في جائحة كورونا، مؤكدة على ضرورة الانتقال إلى مرحلة أكثر نضجاً من الابتكار التعليمي في إطار المشهد المؤسسي الوطني. أما الفصل الرابع، فيطرح أطر مستقبلية لتصميم التعليم الرقمي، مع التركيز على استراتيجيات دمج التكنولوجيا في المناهج وأساليب التدريس والتقييم. ويتناول هذا الفصل نماذج عالمية مقترحة تكييفها مع السياق الأردني، كما يبرز دور الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتعلم التكيفي في تطوير بيئات تعليمية متمحورة حول الطالب.
ويختتم الكتاب بالفصل الخامس الذي يقدم خارطة طريق واضحة نحو تحقيق الابتكار المستدام في التعليم عامة وفي الأردن بشكل خاص. ويؤكد هذا الفصل على أهمية بناء شراكات متعددة الأطراف بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، وإنشاء مختبرات وطنية للابتكار التربوي، وتبني سياسات رقمية طويلة المدى تعزز من استدامة التحول التعليمي. كما يؤكد الكتاب على أن أي تحول رقمي لن يحقق غايته دون الاستثمار المستمر في تدريب المعلمين وبناء ثقافة مؤسسية تدعم التجديد والتجريب.
تتجلى أهداف الكتاب في توفير إطار نظري وعملي لفهم التحول الرقمي باعتباره ضرورة حضارية، وليس مجرد خيار تقني. كما يسعى إلى إعادة تعريف دور المؤسسات التعليمية بحيث تصبح منظومات تعلم مرنة ومتكاملة، وإلى تعزيز الشراكات الوطنية والعالمية لضمان استدامة السياسات والممارسات. ويطلق الكتاب دعوة صريحة للانتقال من الرقمنة الشكلية للمناهج إلى بناء بيئات تعليمية مبتكرة وشاملة قادرة على مواكبة تحولات القرن الحادي والعشرين.
وتكمن أهمية الكتاب في عدة مستويات، فهو على الصعيد الوطني يقدم خريطة طريق لإعادة تخيّل هندسة التعليم الأردني بما يتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي والتحول الرقمي. وعلى الصعيد الأكاديمي، يثري الأدبيات التربوية بمفهوم جديد هو "Re-Imagineering"، الذي يجمع بين إعادة التخيل والهندسة في إطار فلسفي مؤسسي تربوي. أما على الصعيد العملي، فيقترح الكتاب نماذج تطبيقية يمكن للمعلمين وصناع القرار تبنيها، من أجل توفير بيئات تعلم مرنة تُشرك الطلبة كمحرك أساسي للتغيير.
ويستهدف الكتاب شريحة واسعة من الفاعلين في الميدان التعليمي وصناعة القرار. فهو موجه إلى المعلمين في المدارس، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الطامحين لتطوير أساليبهم التربوية، وإلى صناع القرار الراغبين في بناء أنظمة تعليمية متكاملة تلبي متطلبات الاقتصاد الرقمي، وإلى الطلبة والشباب الذين ينظر إليهم كقوة محركة لعمليات الإصلاح والتغيير. كما يخاطب مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص بوصفهما شركاء استراتيجيين في تمويل ودعم الابتكار التعليمي.
إن صدور هذا الكتاب يمثل لحظة مهمة في مسار التحديث والإصلاح التربوي الوطني والعربي، حيث يدعو إلى الانتقال من التفكير في التعليم بوصفه عملية تقليدية إلى اعتباره مشروعاً حضارياً ثقافيا شاملاً. وهو بذلك لا يقدم تشخيصاً للتحديات فحسب، بل يطرح حلولاً واستراتيجيات قابلة للتنفيذ، ويحفّز الأكاديميين والممارسين في المجال التربوي وصناع القرار على تبني رؤية جديدة تعيد صياغة التعليم ليكون أكثر شمولاً وابتكاراً وعدلاً في العصر الرقمي.
