ما زلت أذكر عندما قمنا بمناقشة مقالة من مجلة في الشئون الدولية الأمريكية في عام 1996 تحت عنوان الصين القوة العظمى القادمة.
كانت المقالة تتحدث عن الصين برؤية غربية وتجادل بأنها خلال العقدين القادمين ستنتقل إلى مصاف الدول العظمى، وبالفعل تمكنت الصين خلال العقود الماضية من التحول كدولة عظمى، حيث تجاوز ناتجها القومي أكثر من 27 تريليون دولار وهو أعلى من الناتج القومي للولايات المتحدة، وبدأت الصين تغزو الأسواق العالميه بالسلع عاليه الجودة مثل السلع الإلكترونية والطائرات والسيارات والرقائق الذكية وغيرها وهي تمثل أهم عناصر القوة الاقتصادية للصين.
ان الصينين يجادلون بأنهم ما زالوا في مرحلة التحول الى الاشتراكية ويعملون على اجراء تعديلات جذرية على النظرية الماركسية اللينينية ليصبح هدف الحزب الشيوعي الصيني ليس انهاء الصراع الطبقي وانما بناء الدولة وزيادة ثراء الشعب. وأصبح هذا الحزب بمثابة الحزب الموجه الذي يقود عملية التحديث والتنمية وبناء الاقتصاد المعتمد على التكنولوجيا الحديثة، وبالفعل، وتبعا لافكار الزعيم الصيني ماو تسي تونغ المؤسس للدوله الصينيه الحديثه، فقد أدت سياسات الحزب الشيوعي الصيني الى ازدهار الصين وارتفاع متوسط الدخل للأفراد ليصل الى 13500 دولار. وبرغم ان هذا الرقم ما زال منخفضا اذا ما قورن بنظيره في الولايات المتحدة، الا ان تلك الفجوة تعود الى ارتفاع عدد سكان الصين الذي وصل الى 1.4 مليار نسمة مقارنة بعدد سكان الولايات المتحدة الذي يقارب تقريبا 350 مليون نسمة.
في الواقع، تنطلق الصين مسرعة الى القمة العالمية في ظل مبادئ أساسية وهي سيطرة الحزب الواحد القادر على البناء والتوجيه، إضافة الى مبدأ الازدهار والنمو ومبادئ السوق العالمي الحر وبناء السلام والتقارب بين الشعوب. من هنا قطعت الصين أشواطا مهمة في تعزيز حضورها الدولي على الصعيد الاقتصادي من خلال طريق الحرير الذي يتيح لمنتوجاتها ان تصل إلى مختلف بقاع العالم، وتؤدي بالطبع الى زيادة القدرة التنافسية للسلع الصينية في مختلف انحاء العالم.
من جانب أخر، تعمل الصين على تحقيق العدالة الدولية والسلام في كل مناطق العالم بما فيها منطقة الشرق الأوسط، فقد أيدت الصين كل قرارات مجلس الامن والجمعية العامة الداعية الى ترسيخ حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران. كما انضمت الصين مؤخرا الى اعلان نيويورك الذي يسعى إلى تطبيق حل الدولتين، وهي بهذا قطعت الطريق امام كل الأقلام التي كانت تشكك في مواقف الصين تجاه القضية الفلسطينية، بالمقابل، فإن انضمام الصين الى اعلان نيويورك سيفتح المجال الى كل الدول الآسيوية والافريقية المترددة او التي تدور في فلك الصين إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
في النتيجة، فإن الصين لم تصبح دولة عظمى فقط بل انها أصبحت نموذجا للقوة والعظمة والتي تجذب الآخرين اليها من خلال بناء ثقافة السلام وتحقيق العدالة والازدهار. وبالضرورة فان البناء على مواقف الصين من انضمامها لاعلان نيويورك يجب ان يكون متضمنا في إطار استراتيجية وطنية تعتمد على التقارب الاستراتيجي مع الصين رسميا وشعبيا في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والأكاديمية، وهذا التقارب سرعان ما سيتحول الى تحالف استراتيجي يؤدي الى اجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فلقد حان الأوان ان يتحول النفوذ الصيني الى منطقة الشرق الأوسط ويتعزز في إطار إقصاء الهيمنة الأمريكية، وهذا النفوذ الصيني ان نجح في التوسع، فإنني أتوقع أن يكون نقطة البداية في بداية انهيار إسرائيل.



