مع استمرار الحرب الإسرائيلية الدامية على غزة، اتهم السيناتور الأمريكي المستقل بيرني ساندرز والنائبة الديمقراطية بيكا بالينت الحكومة الإسرائيلية بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، فيما انطلق عدد من المحاربين القدامى ضمن أسطول «الصمود» إلى القطاع بهدف تقديم المساعدات الإنسانية وكسر الحصار المفروض منذ سنوات. وتأتي هذه التحركات في وقت تتزايد فيه الدعوات الدولية والضغوط داخل الولايات المتحدة لإنهاء الحرب وحماية المدنيين الفلسطينيين.
ووجّه ساندرز، في مقال له بعنوان «إنها إبادة جماعية»، أقسى انتقاداته حتى الآن لحكومة بنيامين نتنياهو، مؤكدًا أن إسرائيل «تسعى علنًا إلى تنفيذ سياسة تطهير عرقي في غزة والضفة الغربية بدعم كامل من الإدارة الأمريكية». واستند السيناتور الأمريكي إلى تقرير لجنة تحقيق أممية حديث، أشار فيه إلى حجم المعاناة الإنسانية الهائلة التي خلّفتها العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ هجوم حركة «حماس» في أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي.
وأوضح ساندرز أن «من أصل 2.2 مليون فلسطيني في غزة، قتلت إسرائيل نحو 65 ألف شخص وأصابت ما يقارب 164 ألفًا. والأعداد الحقيقية مرجحة أن تكون أكبر بكثير، مع آلاف الجثث العالقة تحت الأنقاض. وتشير بيانات عسكرية إسرائيلية مسرّبة إلى أن 83 في المئة من القتلى مدنيون، بينهم أكثر من 18 ألف طفل، منهم 12 ألفًا دون الثانية عشرة».
وأضاف أن «الدمار الممنهج للبنية التحتية جعل غزة غير صالحة للحياة. وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن 70 في المئة من المباني دُمّرت بالكامل، وتقدّر الأمم المتحدة أن 92 في المئة من الوحدات السكنية تضررت أو دُمّرت. معظم المستشفيات سوّيت بالأرض، وقتل نحو 1600 من الكوادر الصحية، فيما خرجت نحو 90 في المئة من مرافق المياه والصرف الصحي عن الخدمة».
وأشار ساندرز إلى الخطاب «اللاإنساني» لمسؤولين إسرائيليين وصفوا الفلسطينيين بـ«الحيوانات» وتحدّثوا عن نيتهم «محو غزة عن وجه الأرض». ودعا إلى «استخدام كل نفوذنا للضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وضمان تدفق مساعدات إنسانية هائلة تحت إشراف الأمم المتحدة، واتخاذ خطوات أولية لمنح الفلسطينيين دولة خاصة بهم».
وفي خطوة تتسق مع موقف ساندرز، أكدت النائبة الأمريكية بيكا بالينت، عضو الكونغرس عن ولاية فيرمونت، أن الحكومة الإسرائيلية ترتكب «إبادة جماعية» في قطاع غزة. وأشارت بالينت في مقال لها على منصات أمريكية تقدّمية إلى جذورها الشخصية، وقالت: «جدي قُتل في مسيرة الموت من معسكر ماوتهاوزن في أسابيع الحرب العالمية الثانية. مثل العديد من اليهود الأمريكيين، تربطني علاقة عاطفية بإسرائيل لأنها كانت ملاذًا بعد الإبادة الجماعية التي تعرّض لها اليهود في أوروبا. واليوم، أرى أن الحكومة الإسرائيلية ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني».
وأوضحت بالينت أن المدنيين، بمن فيهم الأطفال الرضع، يعانون من الجوع بسبب استمرار الحكومة الإسرائيلية في حجب المساعدات وارتكاب أعمال عنف ممنهجة. وأضافت: «التجربة الحالية في غزة تمثل تدميرًا متعمّدًا ومنهجيًا للشعب الفلسطيني، وهي تستوفي معايير الإبادة الجماعية التي تُعرف بأنها تُرتكب بنيّة تدمير مجموعة قومية أو عرقية أو دينية، كليًا أو جزئيًا».
وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتشرّد نحو 90 في المئة من السكان، ودُمّرت المستشفيات بنسبة 94 في المئة، بينما يعاني نصف السكان من مجاعة نتيجة حجب المساعدات الغذائية والطبية. وأشارت النائبة إلى أن الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية أخلاقية للضغط من أجل إنهاء هذه الأزمة، مؤكدة أن الاعتراف بالإبادة الجماعية يمثل خطوة حاسمة لتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية وحماية الأرواح.
مبادرة إنسانية للمحاربين القدامى
في الوقت نفسه، أعلن عدد من المحاربين القدامى المشاركين في أسطول «الصمود» المتجه إلى غزة، أنهم يضعون خبراتهم وتجاربهم في خدمة مهمة إنسانية تهدف إلى كسر الحصار، وإيصال رسالة تضامن مع الشعب الفلسطيني. وقال فيل توتنهام، أحد المشاركين من الولايات المتحدة، إن الرحلة انطلقت من برشلونة في 27 آب/أغسطس، وشارك فيها في نهاية المطاف 12 شخصًا من بينهم مقاتلون سابقون، ومسعف ميداني سابق في أوكرانيا، إلى جانب صحافيين من المكسيك وفنلندا.
وأوضح أن الأيام السابقة للإبحار شهدت تدريبات مكثفة وإعداد وثائق السفر ومقاطع فيديو تحسبًا «لاختطاف غير قانوني»، إضافة إلى تزويد القارب بالمؤن والوقود والمياه. كما وصف مشاهد الوداع الشعبي في برشلونة وتونس بأنها «تجربة إنسانية مؤثرة»، حيث احتشد أكثر من 20 ألف شخص في قرطاج وبنزرت لدعم الأسطول.
وتناول توتنهام الصعوبات التي واجهها الطاقم في البداية، منها دوار البحر ونقص الوقود بعد «استيلاء يخت مملوك لإسرائيليين على الكمية المخصصة لأسطول غزة عبر رشوة لمسؤولين في الميناء»، وفق قوله. وأشار إلى أن الرحلة نحو غزة يُتوقع أن تستغرق ما بين 10 و14 يومًا، مع احتمال الوصول بين 24 و28 أيلول/سبتمبر، حيث سيجتمع نحو 40 قاربًا من تونس وإيطاليا واليونان في طريقها إلى غزة. وأكد توتنهام أن رسالة المشاركين «ليست مرتبطة بذواتهم، وإنما تهدف إلى تسليط الضوء على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المتسارع في غزة»، داعيًا إلى «توحيد الجهود العالمية لإيقاف آلة الحرب التي تستهدف الأبرياء». وأضاف: «كمحاربين قدامى، خاطرنا بأرواحنا من أجل الإمبراطورية، وحان الوقت لنفعل ذلك من أجل الإنسانية. هذه ليست تدريبات. الإنسانية على المحك، في غزة وفلسطين، وحتى في أوطاننا».
ويُنتظر أن يواصل المشاركون نشر رسائلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الرحلة، على أمل أن تكلل محاولتهم بالنجاح في الوصول إلى غزة، رغم التهديدات المتزايدة التي تواجه الأسطول.
ردود الفعل الدولية
والرأي العام الأمريكي
تتزامن المواقف الأمريكية الرسمية مع ضغوط متزايدة من قبل الناشطين ومؤيدي فلسطين، حيث وصف عشرون عضوًا من الكونغرس الهجوم الإسرائيلي بأنه إبادة جماعية. وتشير استطلاعات حديثة إلى أن 60 في المئة من الأمريكيين يعارضون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بينما يعتقد نصف الناخبين، بمن فيهم 77 في المئة من الديمقراطيين، أن الحكومة الإسرائيلية ترتكب إبادة جماعية.
وتعكس تصريحات ساندرز وبالينت تحركًا متناميًا داخل الولايات المتحدة للضغط على الحكومة الأمريكية لتغيير سياساتها تجاه الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة، ورفع مستوى الدعم الإنساني للفلسطينيين، مع التأكيد على التزامها الأخلاقي تجاه المدنيين الأبرياء.