تساؤلات كثيرة مطروحة، خلف توقيت ظُهور الجنرال السوري مناف طلاس، وهو المُنشق عن نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، توقّع البعض عند الإعلان عن ظُهوره بمحاضرة في باريس، أن الرجل طامحٌ في رئاسة سورية، لكن الأخير قال بأن ليس لديه طموح سياسي ليُصبح رئيسًا، بل هدفه هو توحيد سورية كما قال.
العديد من السياسيين حول العالم، وتحديدًا في دول عربية، قال الزعماء فيها قبل وصولهم للسلطة، بأنهم لا يطمحون برئاسة البلاد، وها هُم إلى اليوم في السلطة، ويرفضون التخلّي عنها.
وأظهر مناف طلاس نفسه، بأنه ليس مُعارضًا للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، ولكن جاء لافتًا دعوته الشرع إلى الدخول على الدولة، وليس على السلطة، وعبّر عن استعداده للتعاون معه.
ومع تزايد الانتقادات التي تطال حكومة الشرع كونها ذات خلفية متطرفة، ولا تزال تحكم في إطار الإسلام السياسي، دخل طلاس من ثغرة تململ بعض الشعب السوري من انتقال سورية من العلمانية، إلى إسلامية على نهج القاعدة، وطرح مناف طلاس رؤيته لسورية وأن يكون فيها إسلامًا أشعريًّا، أو صُوفيًّا يُشارك بالسياسة، ولا يفرض الإسلام السياسي على الدولة.
بطبيعة الحال خرج طلاس بعد غياب من فرنسا، الأمر الذي دفع البعض للقول إن أوروبا تُريد مُناكفة الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها لطلاس، حيث يُنتظر أن يُقابل ترامب الشرع خلال زيارته لأمريكا ليكسب الشرعية الأمريكية.
ومع قصف إسرائيل لمقدرات الجيش العربي السوري، وإسقاطه من معادلة محور المُقاومة، وإعلان الشرع حلّه تمامًا، وتسريح جنوده من الخدمة، تحدّث طلاس حرصه الشديد على إنقاذ المؤسسة العسكرية السورية ومنع انهيارها، مُشيرًا في هذا الصدد أن لديه تواصلًا مع ما لايقلّ عن 10 آلاف من الضباط المنشقين، ومن قسد، وفصائل أخرى.
ويطرح هذا تساؤلات، عن دور هؤلاء العشرة آلاف ضابط في إعادة تكوين الجيش السوري السابق، وهل ستسمح لهم قوات الشرع بالعودة، ومن أين سيأتي سلاحهم، وتمويلهم، وماذا عن عقيدتهم القتالية، هل ستكون موجهة ضد إسرائيل؟
وكان الجنرال طلاس، صريحًا وواضحًا، في مسألة رفضه تطبيع سورية، حيث قال إنه من المُبكّر الخوض فى هذا الموضوع، لأن سوريا دولة هشّة، ليست في وضع اتخاذ قرار سيادي. وأي خطوة في هذا الصدد تتخذ في هذا التوقيت، وسط غياب برلمان ودستور وجيش وطني قوي، ستكون "استسلامًا" أو "سلامًا مفروضًا”.
وتحدّثت تقارير إعلامية، عن أن السلطات السورية الانتقالية تقدّمت بطلب بخصوص منع العميد السابق مناف طلاس، ابن وزير الدفاع السوري الراحل مصطفى طلاس، من إلقاء محاضرة في معهد الدراسات السياسية سيانس بو بباريس.
وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان”، عن رفض باريس طلباً من وزارة الخارجية السورية الانتقالية بمنع طلاس من إلقاء المحاضرة ظهر السبت.
وقد يكون طلاس شخصية محل إجماع في سوريا، خصوصاً أنه يحظى بقبول بين الأقليات السورية”، وأعلن انشقاقه عن نظام الأسد العام 2012.
ومُنذ انشقاقه عن النظام السوري السابق في العام 2012، واختياره فرنسا مكاناً للجوء، لم يُسجل لمناف طلاس أي دور عسكري في الميدان السوري.
وشدّد طلاس في مُحاضرته، على أن سوريا بلد عمره سبعة آلاف عام، مؤكدا أن لا أحد، لا بشار الأسد ولا أحمد الشرع، يستطيع بناءها وحده، بل تتطلّب مشاركة وطنية واسعة.
وأقرّ طلاس، أن تركيا لعبت دورًا كبيرًا في إضعاف نظام الأسد خلال سنوات الصراع، وهو دور لا يمكن تجاهله في فهم التوازنات الإقليمية، وحين انشقاقه غادر طلاس إلى تركيا، ثم استقر في فرنسا.
ورغم أن السلطات الانتقالية تريد تقديم الوضع الحالي في سورية بأنه أفضل بعد سقوط نظام الأسد، وصف طلاس الوضع في الداخل السوري بأنه منهار ويعيش حالة فوضى شاملة، معتبرًا أن الحاجة ملحّة إلى توحيد السلاح وتحويله إلى بندقية وطنية، بدلًا من استخدامه لخدمة أجندات خارجية.
واشترك طلاس مع الشرع، في مسألة رفضه لتقسيم سورية، حيث أعلن رفضه للخيار الفيدرالي في سوريا، معتبرًا أن دولة واحدة بجسم وطني موحد هي الطريق الأنسب للاستقرار، لكن يبقى السؤال قائمًا حول طريقة تنفيذ ذلك على أرض الواقع، في ظل رغبات انفصالية، ومخاوف أقليات، وضعف الحكومة المركزية، وتجوّل إسرائيل في الأراضي السورية.
وكان طلاس، الذي ينحدر من مدينة الرستن في محافظة حمص، صديق طفولة للرئيس السابق بشار الأسد، بحكم العلاقة الوثيقة بين العائلتين، حيث كان طلاس قائد اللواء 105 في الحرس الجمهوري، إلا أنه أقصي من مهامه، بعد أن فقد النظام السوري السابق ثقته به.
بكُل حال ظهور مناف طلاس لافت، ومُثير للانتباه، ولكن يبقى من غير المعلوم، إذا كان طلاس، وعودة نشاطه السياسي، يُمكن أن يحمل أبعد من ذلك، وتأثيره على أرض الواقع في سورية، فمُنذ سُقوط الأسد، وحُضور الشرع بديلًا، لا يتوقّف السوريون عن الجدل هو اسم هذا، واسم ذاك، بل إن عودة الرئيس السوري السابق نفسه إلى الحكم لم تغب عن التوقّعات، والتحليلات، والشائعات، فماذا ينتظر سورية؟!