في الأيام الأخيرة نشهد انهياراً للسياسة الإسرائيلية تجاه غزة، لدرجة طريق مسدود في ثلاثة جوانب: مسألة المخطوفين، والجبهة العسكرية، وتوريد الغذاء إلى غزة.
الجبهة العسكرية تجاه غزة عالقة هي الأخرى. صحيح أن قواتنا تضرب بنى حماس التحتية، لكن لم يدخل الجيش بعد إلى الـ 25 في المئة من أراضي غزة التي ما زالت حماس تحكمها.
وثمة انهيار آخر في سياسة واقع التموين، الذي يسمى خطأ "مساعدات إنسانية”؛ فقد كانت الخطة الأصلية هي تحويل توزيع الغذاء في غزة إلى الصندوق الأمريكي الإسرائيليGHF ومن خلاله الفرز بين الإرهابيين وغير المشاركين، لكن الجيش الإسرائيلي لم يرغب في القيام بهذا الفرز.
إلى جانب ذلك، حملة الأكاذيب شديدة القوة وكأن جوع غزة أجبر نتنياهو على أمر سلاح الجو بإنزال المؤن من الجو إلى المناطق التي تسيطر فيها حماس. كما تمت زيادة دراماتيكية لكمية الشاحنات التي تدخل مباشرة إلى غزة، في تضارب صريح مع سياسة الإغلاق التي قررها الكابنت قبل بضعة أشهر. هذا ما يسمى انهيار السياسة. فضلاً عن ذلك، فإن تلك الشاحنات التي طالبت بها حماس الأسبوع الماضي في إطار صفقة، تحصل عليها الآن بالمجال بدون مخطوفين وبدون مقابل. هذا العنصر بحد ذاته غير معقول، ومع ذلك، المشاكل لا تنتهي هنا؛ فالمشكلة الأكبر هي أن أحداً في القيادة الإسرائيلية لا يعرف كيفية الخروج من المتاهة التي ترتبط عناصرها معاً. هكذا يفهم من الحديث مع المحافل العسكرية والسياسية على حد سواء.
نتنياهو: "هناك حملة إعلامية”
يدعي الجيش الإسرائيلي بأن الدخول إلى تلك الـ 25 في المئة التي لا يسيطر فيها على غزة سيعرض سلامة المخطوفين الأحياء للخطر، لكن ليس مؤكداً بأنه ادعاء صحيح.
غير قليل من المخطوفين شهدوا بأن جنازير الدبابات مرت من فوق رؤوسهم، ومع ذلك حرص آسروهم على إبقائهم سليمين ومعافين. بل إن أحد المخطوفين روى أنه كان مع آسريه تحت مدرج بيت مكث فيه جنود الجيش الإسرائيلي بضعة أيام. وكانوا أدخلوه إلى هناك وأخرجوه بسلام. وشكراً للرب، هو اليوم معنا سليماً ومعافى.
في جلسة الكابنت العاصفة التي بحثت فيها المعاضل، طلب رئيس الأركان زامير تلقي تعليمات صريحة من المستوى السياسي بالدخول إلى تلك الـ 25 في المئة الحساسة. وقال سموتريتش معقباً، إن الحكومة لم تأمر الجيش قط بالامتناع عن العمل في هذه المناطق، وإن هذه سياسة قررها الجيش لنفسه. غضب زامير، واتهم وزير المالية بأنه "يعرض المخطوفين للخطر”. أما وزير المالية، الذي كان عصبياً، فلم يصمت: "وأنت تمنع النصر”.
نتنياهو يرفض أن يصدر لزامير أمراً صريحاً بالدخول إلى هذه المناطق، خوفاً انتقاد بعض من أبناء العائلات واللجنة القيادية المحيطة بهم. "هناك حملة إعلامية”، قال نتنياهو عدة مرات في جلسات الكابنت.
لا يهم من المحق في هذا الجدال، النقطة أن رئيس الأركان لا يعرف خطة بشأن كيفية الانتصار في الوضع الحالي و/أو جلب المخطوفين. كما أن زامير يعارض تحمل مسؤولية توزيع الطعام على الغزيين. وهكذا نشأت صدامات بينه وبين نتنياهو وسموتريتش، تشبه تلك التي كانت بين هرتسي هليفي والاثنين.
فجوات وشقاقات وتوترات
بدلاً من التعاون بين الطرفين مثلما رأينا في حملة "الأسد الصاعد”، بدا أن فجوات وشقاقات متبلة باعتبارات سياسية وخوف من الرأي العام، تشجع توترات ولا تحل أي مشكلة. هيئة أركان زامير أكثر قتالية واندفاعاً من سلفها. يؤمن الجيش اليوم ي بأن المزيد من الضغط سيكسر حماس في النهاية، لكنه لا يعرض خططاً مرتبة أو جدولاً زمنياً بكيف ومتى سيحصل هذا.
في الوقت نفسه، من المهم التشديد على أن ذنب الجمود لا يقع على الجيش فقط. كما أسلفنا، رئيس الوزراء هو الذي افترض بأن صفقة مخطوفين خلف الزاوية. كتحصيل حاصل، لم يطلب أيضاً من الجيش حسماً فورياً لحماس. ويعود السبب فيذلك إلى أن نتنياهو يسبّق تحرير المخطوفين على النصر.
الموضوع أن كل الأحداث والشقاقات تأخذ وقتاً طويلاً وغالياً جداً ضدنا: معاناة المخطوفين، أولاً وقبل كل شيء، لكن إسرائيل تلحق كل يوم أضراراً دولية هائلة بسبب تمديد القتال. الجمهور يجهل ذلك، لكن موجات الصدى سترافقنا سنوات طويلة.
ترامب معنا، هذا صحيح، لكنه هو ورجاله طلبوا إدخال المؤن إلى غزة. لهم إعلامهم ودول العالم تضغط، ولنا أيضاً عالم خارج ترامب – ألمانيا مثلاً: نتنياهو راعى الألمان عندما قلب السياسة المتعلقة بالمؤن رأساً على عقب.
أمام مرمى إعلامي بلا حارس
كل هذه الحملة، بالمناسبة، أصبحت ممكنة لأن نتنياهو هو الذي يجفف منظومة الإعلام الرسمي القومي. حماس، والأمم المتحدة وباقي كارهي إسرائيل، يقاتلون أمام مرمى إعلامي بلا حارس. وهكذا أدت الخسارة الإعلامية إلى أن وجدنا أنفسنا أننا نحن الذين نغذي مخربي حماس. فهل لنتنياهو خطة خروج من الورطة؟ التجربة تفيد بأن له أرانب في القبعة. سياسياً وموضوعياً على حد سواء: السياسية التي يتخذها صعبة على الهضم، لدرجة أنه ملزم أن لها تفسيراً لا نعرفه، فإذا لم يكن تفسير كهذا فستتفكك حكومته في يوم أو يومين، والانتخابات المبكرة ليست هي ما تحتاجه إسرائيل في وضعها الصعب.
بدلاً من ذلك، ولإخراج العربة الإعلامية من الوحل الغزي، ثمة حاجة لأن يكف كل من نتنياهو وكاتس وسموتريتش وزامير، عن الشقاق والدخول إلى عصف أدمغة يؤدي إلى خطة متفق عليها. اليوم لا يوجد مخطوفون ولا يوجد نصر، بل توريد مساعدات لحماس وهدن يومية في الحرب، في الوقت الذي نصرخ فيه من تحت الأرض.
هذه نتيجة قاسية لا يمكن التسليم بها. أو كما صاغ ذلك الرئيس ترامب الذي يزور بريطانيا: "قلت لبيبي إنه ينبغي له أن يفعل هذا بطريقة أخرى”.