بالرغم من الحديث عن وجود تحركات في هذه الأوقات للتوصل لاتفاق تهدئة ينهي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أن قوات الاحتلال استمرت في التصعيد العسكري الخطير، ونفذت عدة هجمات جوية وبرية عنيفة، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا، بينهم نازحون وآخرون من منتظري المساعدات الإنسانية.
وتزامن ذلك مع تأكيد مسؤولين أن إسرائيل أوقفت إمدادات المساعدات إلى شمال قطاع غزة لكن لا تزال تسمح بدخولها من الجنوب.
جاء ذلك بعد انتشار صور لملثمين يقفون على ظهور شاحنات مساعدات فيما قال زعماء العشائر إنهم كانوا يحمون المساعدات، ونفوا أن يكونوا أفرادا من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس».
وأكدت مصادر في مستشفيات غزة، لشبكة «الجزيرة» أن 65 شخصا استشهدوا في غارات إسرائيلية على مناطق عدة في القطاع منذ فجر أمس الخميس.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة، عن وصول 103 شهداء، و219 إصابة إلى مشافي القطاع خلال 24 ساعة الماضية.
وقالت إن حصيلة الشهداء والاصابات منذ استئناف حرب الإبادة في 18 آذار/ مارس الماضي بلغت 5,936 شهيدا، 20,417 اصابة.
وأشارت إلى ارتفاع حصيلة الإبادة الى 56,259 شهيدا و132,458 إصابة منذ السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2023، فيما لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
مكالمة رباعية
وكان بارزا أمس، ما ذكرته صحيفة «إسرائيل هيوم» عن اتفاق بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن إنهاء الحرب خلال أسبوعين.
فطبقا للصحيفة، أُجريَت مكالمة هاتفية رباعية بين ترامب، ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وبنيامين نتنياهو، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مباشرة بعد الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية.
وقد توصلوا إلى توافق حول هذه المبادئ الأساسية بشكل عام. ويخططون لتنفيذ سريع يبدأ بإنهاء الحرب في غزة.
وحسب ما كشفته الصحيفة فإن الأعمال العدائية في غزة ستنتهي خلال أسبوعين، وتشمل شروط الإنهاء إشراك 4 دول عربية (بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة) في إدارة قطاع غزة، لتحل محل حركة «حماس»، وستُنفى القيادة المتبقية لـ»حماس» في غزة إلى دول أخرى، بينما سيتم إطلاق سراح المحتجزين.
وتقول الصحيفة إن العديد من الدول حول العالم ستقبل عددًا كبيرًا من سكان غزة الراغبين في الهجرة.
وتحدثت الصحيفة عن ما جرى في الاجتماع وعن توجه سيؤدي لتوسيع اتفاقيات «أبراهام» مع انضمام سوريا والمملكة العربية السعودية ودول عربية وإسلامية إضافية للاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات رسمية معها.
وفي المقابل ستعلن إسرائيل استعدادها لحل الصراع الفلسطيني مستقبلاً وفقًا لمفهوم «الدولتين»، بشرط إصلاح السلطة الفلسطينية، على أن تعترف الولايات المتحدة بتنفيذ محدود للسيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
ونقلت الصحيفة عن مصدرين دبلوماسيين بوجود ضغوط رئاسية أمريكية كبيرة على نتنياهو لإنهاء العمليات في قطاع غزة، بدأت هذه الضغوط قبل عملية «الأسد الصاعد» (الهجوم على إيران)، واستؤنفت فور الانتهاء منها. ومع ذلك، أفاد مصدر آخر بعدم علمه بوجود مثل هذه الضغوط.
مجازر تقتل العشرات وإسرائيل توقف مساعدات الشمال
وذكرت الصحيفة أن التزام ترامب ونتنياهو بتنفيذ هذه الاستراتيجية الطموحة هو ما دفع ترامب لنشر منشور استثنائي على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الإجراءات القانونية ضد رئيس الوزراء. إذ سبق أن ناقش ترامب محاكمة نتنياهو معه، ويهدف إلى تحريره للانخراط الكامل في رؤية السلام. ونتيجة لذلك، تم تأجيل شهادة نتنياهو المقررة في المحكمة الأسبوع المقبل.
في هذا الوقت، استمرت دولة الاحتلال في ارتكاب مزيد من المجازر في قطاع غزة. واستشهد 3 مواطنين وأصيب آخرون كثر بنيران جيش الاحتلال، عند منطقة جسر وادي غزة بالقرب من «محور نتساريم» وسط قطاع غزة، خلال توجههم لاستلام المساعدات من أحد مراكز التوزيع التي تخضع للآلية الإسرائيلية بإدارة الشركة الأمريكية.
وفي مجزرة خطيرة وسط قطاع غزة، استشهد 18 مواطنا بينهم أطفال، بعد قصف من مسيرة للاحتلال مجموعة من الأهالي قرب مفترق البركة في مدينة دير البلح.
وقال تجمع العشائر في غزة منددا بالمجزرة «إن استهداف الاحتلال للمجموعات الشعبية المنظمة للأسواق والمساعدات في دير البلح؛ جريمة إسرائيلية مركبة؛ للإمعان في نشر الفوضى»، وأكد أن «هذه الجريمة تكشف السبب الحقيقي لرغبة نتنياهو ووزير حربه بوقف المساعدات؛ «في محاولة منه لنشر الفوضى وتوفير غطاء للصوص وقطاعي الطرق».
وأعلن مستشفى العودة في النصيرات عن وصول شهيدين بينهما طفل، و3 إصابات جراء استهداف طائرات الاحتلال تجمعا للمواطنين في الحي رقم 5 بالنصيرات.
وفي السياق، استشهد مواطن جراء قصف مدفعي إسرائيلي استهدفت منطقة وادي السلقا شرقي مدينة دير البلح، كما تعرضت المناطق الشرقية الأخرى للمدينة لقصف مدفعي عنيف. وأصيب عدد من المواطنين جراء قصف مسيرة إسرائيلية منزلا لعائلة عقل في مخيم النصيرات، والذي تعرضت مناطقه الشمالية لقصف مدفعي وإطلاق نار كثيف من قبل آليات جيش الاحتلال.
وفي مدينة خان يونس جنوبي القطاع، استمرت قوات الاحتلال في توسيع رقعة التوغل البري لتصل إلى العديد من المناطق الجديدة، على وقع استهدافات دامية طاولت مناطق التوغل والنزوح، وذكرت مصادر من المدينة أن عددا من الشهداء والمصابين نقلوا إلى مجمع ناصر الطبي، جراء غارة إسرائيلية استهدفت خيمة تؤوي نازحين لعائلة أبو عرب في حي المجايدة في منطقة المواصي غرب المدينة، كما استشهد مواطن من عائلة الجعبير إثر قصف من مسيرة إسرائيلية في محيط المستشفى الميداني الأردني غربي المدينة، واستشهد فلسطيني وأصيب آخرون في قصف استهدف خيمة تؤوي نازحين في منطقة المواصي أيضا، استشهد مواطن من عائلة زعرب إثر قصف من مسيرة إسرائيلية قرب منطقة المقابر غربي المدينة أيضا، وارتقى عدد من الشهداء والمصابين جراء قصف من مسيرة إسرائيلية على سيارة ودراجة نارية في منطقة تقع شمال غرب المدينة.
وحسب مصادر طبية في مشفى ناصر، فإن جثامين 21 شهيدا وصلت المشفى حتى ظهر الخميس، ما بين من سقطوا في هجمات جديدة لجيش الاحتلال، وآخرون جرى انتشالهم من مناطق العمليات العسكرية، وغيرهم قضوا جراء إصاباتهم البالغة، حيث كانوا يعالجون في غرف العناية المكثفة.
وفي مدينة رفح، استشهد 3 مواطنين قرب مركز مساعدات الشركة الأمريكية شمالي المدينة، وأدى الاستهداف إلى إصابة آخرين بجراح، وذلك عندما اقتربوا من منطقة التوزيع حيث باغتتهم قوات الاحتلال بإطلاق النار الكثيف صوبهم.
وفي شمال قطاع غزة، استشهد 3 مواطنين وأصيب آخرون جراء قصف إسرائيلي استهدف منقطة جباليا البلد، فيما أعلن عن وصول إصابتين من منطقة بئر النعجة شمالي القطاع إلى مشفى الشفاء في مدينة غزة.
أما في مدينة غزة فقد استشهد 9 فلسطينيين وأصيب آخرون بجروح مختلفة، جراء استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي مدرسة عمرو بن العاص التي تؤوي نازحين في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، حيث كان من بين الضحايا عائلة أحمد الشيخ خليل وزوجته وأبناؤه، التي مسحت من السجل المدني، فيما استشهد 6 مواطنين ونحو 20 إصابة، في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا لعائلة مطلق قرب مدرسة الروم الأرثوذكس عند دوار كيرفور غربي مدينة غزة. وفي مجزرة أخرى استشهد 4 مواطنين وأصيب آخرون في قصف الاحتلال مجموعة من المواطنين في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، وارتقت سيدة شهيدة وعدد من المصابين، إثر قصف مدفعي إسرائيلي استهدف محيط مفترق السنافور بحي التفاح شرقا.
ومع تصاعد الهجمات، طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان بآليات دولية فاعلة لـ «وقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة فوراً»، مشيرة إلى امعان الحكومة الاسرائيلية في استخدام التجويع والتعطيش والحرمان من الأدوية والعلاجات كـ «سلاح حرب».
وقالت حركة «حماس» في بيان عن ارتقاء قرابة 120 شهيداً خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، بغارات جيش الاحتلال على الأحياء السكنية وخيام النزوح وأماكن تجمّع المواطنين للحصول على المساعدات «إمعانٌ وحشيٌّ في حرب الإبادة ضد المدنيين الأبرياء».
وأضافت «إن ما صدر عن الإرهابيَّين نتنياهو و(وزير الدفاع يسرائيل) كاتس من تصريحات تدّعي سيطرة جهات حكومية أو فصائلية على المساعدات في قطاع غزة؛ هو محض أكاذيب، تهدف لاختلاق الذرائع لمنع إدخال المساعدات، ومواصلة سياسة التجويع»، وطالبت الأمم المتحدة، بإعلان موقف واضح من هذه الجرائم، «وتفنيد أكاذيب الاحتلال الفاشي حول المساعدات، وفضح جريمة التجويع الممنهجة البشعة التي يرتكبها في غزة».
إنسانيا، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» إن العائلات في غزة «مهددة بالموت عطشًا وسط انهيار أنظمة التزويد المياه»، لافتة الانتباه إلى أن 40٪ من مرافق إنتاج مياه الشرب لا تزال تعمل.
وأشارت في بيان جديد إلى أنه بسبب القصف المتواصل، وأوامر النزوح القسري، وحظر سلطات الاحتلال إدخال الوقود لأكثر من 100 يوم، «لم تعد الأونروا قادرة سوى على توفير نصف كمية المياه التي كانت توفرها خلال الهدنة»، وقالت «غزة على حافة جفاف من صنع الإنسان».
هجمات المقاومة
وتصديا لهجمات الاحتلال أعلنت «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الذراع العسكري لحركة «حماس»، أن مقاتليها أبلغوا بعد عودتهم من خطوط القتال، عن تمكنهم من تدمير دبابتي «ميركفاه» وناقلة جند وجرافة عسكرية من نوع «D9» بـ 4 عبوات أرضية شديدة الانفجار معدة مسبقًا شرق مدينة جباليا شمال القطاع. وقالت كذلك إن مقاتليها أبلغوا بعد عودتهم من خطوط القتال، عن قنص جندي قرب «تلة المنطار» شرق حي الشجاعية. كما بثت «سرايا القدس»، الذراع العسكري لـ»حركة الجهاد الإسلامي»، مشاهد من تجهيز حقل ألغام بعبوات ثاقب الخرقية وتفجيره بآليات الاحتلال داخل محاضنها شرق مدينة خانيونس.
وظهر في المشاهد مقاتلو السرايا وهم يقومون بعملية زرع العبوات بعد حفر الأرض، وتفجيرها عند وصول الدبابات الإسرائيلية.