الصهيوني مايك هاكابي، سفير الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، يفصح عن حقيقة الموقف الأمريكي الرسمي، بل عن الوقاحة في الموقف السياسي، عندما يطلق تصريحات من تل أبيب، رداً عن الموقف الفرنسي تجاه القضية الفلسطينية، فيقول بإمكان فرنسا اقتطاع جزء من أراضيها إذا كانت تريد دولة فلسطينية، فهل هناك ما هو أوقح من سياسة أمريكا وخطابها الامبريالي المعادي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والخلاص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة؟
والسفير الأمريكي هنا يهاجم المبادرة الفرنسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويسخر منها، ويعلن بشكل استفزازي أرعن أن الولايات المتحدة لن تشارك في مؤتمر السلام الذي دعت إليه فرنسا والسعودية والمقرر عقده هذا الشهر، قائلاً: "لن نكون جزءاً من هذه الخدعة".
والحقيقة مثل هذا الموقف يعكس المواقف والمحددات الرسمية للإدارة الأمريكية، التي لم تقدم أي مبادرة حول القضية الفلسطينية منذ استلام مهامها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي تؤكد المؤكد بالنسبة لنا عن عدم الجدية في طرح أي مبادرة سياسية، بل والاستمرار بالدعم غير المحدود لإسرائيل التي تركب جرائم الحرب والابادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني.
وهذا السفير الصهيوني يرى أن أي محاولة لفرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، تعد ضغطاً غير مرحب به على دولة ذات سيادة، وهو يأمل من فرنسا أن تعيد النظر بموقفها، ويتبجح بالدعم الأمريكي المتواصل لحكومة نتنياهو، وبرأيه أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية متينة ولا يمكن تمزيقها، وهي قائمة وفق شراكة إستراتيجية تتجاوز الصداقة أو التحالف، ومبنية على تبادل عميق للمعلومات الأمنية والعسكرية.
وأعتقد تماماً أن السفير الأمريكي، وهو نفسه الذي إدعى من قبل أن انتصارات إسرائيل وبقاءها لأن يد الله فيها وستبقى كذلك، هو أكثر وضوحاً من بعض السياسيين الأمريكيين الآخرين، فهو يعتقد بأن التحالف الأمريكي الإسرائيلي هو تحالف ديني وليس سياسي، وأن الناس يظنون أن إسرائيل تستفيد الولايات المتحدة، لكن أمريكا هي التي تستفيد من إسرائيل.
وهذه الأقوال لا يطلقها السفير الأمريكي ليس لكونه يهودي الديانة، بل كونه صهيونياً يتفاخر بصهيونيته، وهو يعبر عن سياسة الخارجية الأمريكية، التي لم تكن في أي يوم من الأيام راعياً نزيهاً لعملية السلام، بل كانت وما وزالت منحازة للاحتلال وداعماً مركزياً له في احتلاله للأرض الفلسطينية ومحاولاته تذويب الهوية الوطنية الفلسطينية واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ومنعه من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة.
ودون أي شك تصريحات هذا السفير الوقحة كشفت وبالملموس عن حقيقة الموقف الأمريكي الحقيقي وانحيازه الكامل لحكومة الاحتلال، وهي إهانة للمجتمع الدولي، وليس فقط لفرنسا، وتكشف التفرد الأمريكي المخالف لكل العالم بحماية دولة احتلال قائمة على الإبادة الجماعية التطهير العرقي والعنصرية والفاشية الجديدة.
حكومة الاحتلال تعيش تحت الضغوط وفي عزلة دولية آخذة بالتصاعد، وأمريكا بطبيعة الحال تحاول حماية حكومة نتنياهو وفك العزلة عنها، والولايات المتحدة فقدت مصداقيتها فهي تتحدث عن حق الشعوب بالحرية والديمقراطية، وتعترض على قرار لدولة أخرى تريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية لأنها ترى الحق الطبيعي في إقامة دولة فلسطين، وأن ينعم الفلسطينيون بالعيش بأمن وسلام كباقي شعوب المنطقة.
ومثل تلك التصريحات الاستفزازية بمثابة تشجيع لإسرائيل لمواصلة سياستها، وتعمل على تقويض القانون الدولي، وتشير إلى نفاق الإدارة الأمريكية، وهي بالتأكيد عقبة في وجه مسيرة السلام في المنطقة، وانصياع لإسرائيل واعتبارها دولة فوق القانون، وهناك ضرورة اليوم لإعادة النظر بالعلاقات مع الإدارة الأمريكية وعدم الرهان أو الأوهام على الرعاية الأمريكية لأي مفاوضات قادمة، وعدم الرضوخ لكافة التهديدات الأمريكية من قطع المساعدات عن شعبنا، وأن تستمر القيادة الفلسطينية بجهودها ونضالها من أجل تحقيق العدالة الواجبة لشعبنا المناضل من أجل الحرية والاستقلال، وانتصار إرادة شعبنا بانتهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.