حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي، كعادته في التعمية على الحقائق وطمس جرائمه، تغيير روايته بشأن مجزرة المسعفين في رفح، جنوبي قطاع غزة، التي راح ضحيتها 15 مُسعفاً وعاملاً في الدفاع المدني، بعدما كمنت لهم قوّات الاحتلال وحاصرتهم مطلقة وابلاً كثيفاً من الرصاص عليهم، كما أثبت شريط فيديو وثّق الجريمة وعُثر عليه في هاتف أحد المسعفين.
وفور نشر صحيفة "نيويورك تايمز" شريط الفيديو الذي حصلت عليه من دبلوماسي كبير في الأمم المتحدة طلب عدم الكشف عن هويته، سارع جيش الاحتلال إلى استغلال التفاصيل الجديدة لتبديل روايته الأولى حول الجريمة، مُدعياً أنه فتح تحقيقاً لفحص الأدلة، ستنشر نتائجه مساء اليوم الأحد. وفي البداية، زعم جيش الاحتلال أنّ جنوده أطلقوا النار على مركبات اقتربت من موقعهم "بشكل مثير للريبة؛ في الظلام من دون أضواء أو علامات تشير إلى كونهم أفراد دفاع مدني ومسعفين"؛ وأنه "قتل تسعة عناصر من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، استقلوا مركبات تابعة للهلال الأحمر". لكن مقطع الفيديو الذي استُخرج من هاتف أحد الشهداء المسعفين دحض هذه الرواية، وأظهر أن الأخيرين كانوا بزيّهم الرسمي؛ حيث استقلّوا سيارات الإسعاف وشاحنات الإطفاء التي حملت علامات واضحة، مع الأضواء، وقد تعرضوا للقتل بالرصاص الكثيف الذي أطلقه جنود الاحتلال عليهم.
وفي وقت متأخر مساء أمس، ادعى الجيش أنه "يُجري تحقيقاً في الحادثة برئاسة قائد المنطقة الجنوبية يانيف عاسور، على أن تُعرض نتائجه اليوم لرئيس الأركان إيال زامير".
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني قد قال، في بيان أخيراً، إن القوات الإسرائيلية لم تهاجم سيارات إسعاف "عشوائياً"، لكن جرى التعرف إلى مركبات عدة "تتقدم بشكل مثير للريبة" من دون مصابيح أمامية أو إشارات طوارئ باتجاه القوات الإسرائيلية، ما دفعها إلى إطلاق النار عليها. وزعم أن تسعة من القتلى هم من المسلحين من "حماس" و"الجهاد الإسلامي". إلا أن الفيديو الذي قالت الصحيفة إنها حصلت عليه من دبلوماسي كبير في الأمم المتحدة، طلب عدم الكشف عن هويته، فضح كذب الاحتلال، وهو ما اضطر جيش الاحتلال أمس للقول إنه سيجري تحقيقاً معمقاً بعد نشر الفيديو.
تسلسل الأحداث وفق جيش الاحتلال
في 23 مارس/آذار 2025، ومع استئناف الحرب، "كانت قوّة عسكرية تابعة للواء غولاني في كمين على أحد المحاور في منطقة تل السلطان في رفح. وعند الساعة 16:00، سارت مركبات إسعاف تابعة للصليب الأحمر، بالتنسيق مع الجيش هناك. وفي الساعه 16:30، تحركت مركبة تابعة لشرطة حماس، مع إشارات ضوئية، بالقرب من الجنود، وقامت قوّة عسكرية بإطلاق النار عليها، ما أدى إلى مقتل أحد الأفراد واعتقال اثنين آخرين واقتيادهما للتحقيق في إسرائيل". وتابع الاحتلال: "في الساعة 18:00، أي بعد ساعة ونصف ساعة من الحادثة، توجهت قافلة من الاسعافات إلى المكان". وحسب ما زعم، "وصلت هذه الإسعافات إلى حيث كانت مركبة حماس (مركبة الشرطة)، ووقفت على هامش الطريق". وعندئذ، "ظّن الجنود أن الإسعافات تتقدم نحوهم، ولذلك فتحوا عليهم النار"، بزعم أنهم "شعروا بالتهديد".
وفي الإطار نفسه، أفادت "كان 11" الإسرائيلية بأنه عقب الجريمة، "وصل نائب قائد كتيبة في غولاني إلى المكان وقام بتغطية سيارات الإسعاف بالشبكة، ثم نقل إحداثيات الموقع لممثلي الأمم المتحدة حتّى يحضروا ويجمعوا الجثث، لكنهم لم يجدوهم وقرروا فعل ذلك في وقت لاحق". وعلى ما يبدو، لم يعثروا عليهم بداية لأنه، كما تابعت القناة، "بسبب استمرار الحرب، تقدّمت جرافة دي9 تابعة للجيش وغطّت سيارات الإسعاف والجثث بالرمال، حتّى يتيح الوضع الميداني تخليص الجثث". أمّا لماذا غُطيّت الجريمة بالرمال، فقد ادعى الجيش أن "هذا ما نقوم به عادة حتّى لا تأكل الحيوانات الشاردة الجثث". مع العلم أن عشرات المقاطع المصوّرة أظهرت جنود الجيش أنفسهم وهم يتفرجون ضاحكين على كلاب تنهش جثث الفلسطينيين الذين قتلوا وقذف بهم في الطريق.
وبعد أيام من الجريمة، استخرج الجيش وممثلي الأمم المتحدة جثامين المسعفين وعمال الدفاع المدني، فحدد الجيش بواسطة "منظومة متطوّرة للتعرف على الوجوه أن ستّة من بين الـ15 هم عناصر حماس"، حسب ما نقل موقع "بحدريه حداريم" الحريدي. وزعم الجيش أنه "لم يكن هناك إعدام، ولم يكن هناك إطلاق نار من مسافة قريبة، وأن ستة قُتلوا لأنهم عناصر حماس". وهو ما دحضه شريط الفيديو، كما دحضته الرواية المنقولة في الموقع العبري الذي قال إن الجيش استخدم "منظومة تعرف على الوجوه" على الجثامين، فكيف يكون قد حدد هويتهم قبل قتله لهم، وخصوصاً في جنح الظلام.