في خطوة طال انتظارها، أعلنت لجنة العمل الثلاثية في الأردن الأسبوع الماضي عن قرارها برفع الحد الأدنى للأجور، في استجابة ضرورية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العمال وأسرهم منذ سنوات. هذا القرار جاء بعد سنوات من ثبات الحد الأدنى عند مستوى 260 دينارا أردنيا.
وبغض النظر عن عدم كفاية الحد الأدنى للأجور الجديد عن تلبية الاحتياجات الأساسية للعاملين وأسرهم، وعدم اعتماد المنهجيات المتبعة عالميا في تقديره، وترك تقديره لموازين القوى الاجتماعية المختلة ضد مصالح العمال، الا أن القرار اتخذ وأصبح واقعا، وعلينا التعامل معه.
إن الحد الأدنى للأجور ليس مجرد رقم اقتصادي، بل هو أداة سياساتية تعكس التزام الدولة (أي دولة) بضمان حياة كريمة لمواطنيها، لا سيما لأولئك الداخلين الجدد إلى سوق العمل وذوي المهارات المحدودة. ومع ذلك فإن رفع الحد الأدنى وحده لا يكفي لتحقيق الأهداف المرجوة، إذ يتطلب هذا القرار خطوات فاعلة لضمان تطبيقه والتخفيف من أي آثار جانبية قد تترتب عليه.
لا يمكن إنكار أن رفع الحد الأدنى للأجور قد يفرض تحديات على بعض الأنشطة الاقتصادية، لا سيما المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الأردني. هذه المنشآت قد تواجه زيادة في تكاليف التشغيل. لذلك، يتوجب على الحكومة تبني سياسات داعمة تخفف من هذه الضغوط، مثل تقديم حوافز مالية بشكل فعال أو تخفيض الضرائب على تلك المنشآت، مع توفير برامج تدريبية لتحسين إنتاجية العاملين وزيادة كفاءتهم.
في المقابل، هناك احتمال أن يلجأ البعض إلى رفع أسعار السلع والخدمات كرد فعل على زيادة الأجور، ما قد يؤدي إلى ارتفاع غير مبررة في مستويات التضخم. ولتجنب ذلك، نتوقع من الحكومة تعزيز الرقابة على الأسواق لضمان استقرار الأسعار ومنع أي استغلال اقتصادي قد يضر بالمستهلكين.
إن نجاح قرار رفع الحد الأدنى للأجور يعتمد بشكل كبير على تطبيقه في جميع القطاعات دون استثناء - أن استثناء قطاع صناعة الألبسة من تطبيقه شكل ثغرة غير مبررة، ستكرس وتعمق اختلالات سوق العمل، وهنا تأتي أهمية تعزيز دور وزارة العمل لمتابعة تنفيذ القرار، من خلال إجراء حملات تفتيش دورية على المنشآت للتأكد من التزامها بالحد الأدنى الجديد للأجور. كما ينبغي تعزيز رقابة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لضمان شمول جميع العاملين، خاصة في القطاعات المعروفة بالتهرب التأميني، مثل المحلات التجارية، وورش صيانة السيارات والمشاغل بمختلف أنواعها، وعيادات الأطباء ومكاتب المحامين.
رغم المخاوف من بعض الآثار الجانبية، فإن رفع الحد الأدنى للأجور يمثل خطوة إيجابية لتحفيز الاقتصاد المحلي. زيادة الأجور تعني تحسين القدرة الشرائية للعاملين، مما يساهم في تعزيز الطلب الاستهلاكي المحلي على السلع والخدمات ويسهم في تحريك عجلة الاقتصاد. كما أن توفير دخل كريم للعاملين يعزز من استقرارهم النفسي والاجتماعي، مما ينعكس إيجابيا على إنتاجيتهم، إذا رافق ذلك برامج تدريبية من قبل أصحاب العمال.
على المستوى الاجتماعي، فإن رفع الحد الدنى للأجور وان كان اقل من المتوقع سيسهم في تقليص الفجوة بين مختلف شرائح المجتمع. كما أن تحسين الأجور يجعل سوق العمل الأردني أكثر جاذبية للأيدي العاملة الماهرة، مما يدعم النمو الاقتصادي المستدام.
قرار رفع الحد الأدنى للأجور كان خطوة ضرورية، لكنه يتطلب آليات تنفيذ صارمة وسياسات داعمة لضمان تحقيق أهدافه.
بقلم الكاتب احمد عوض
بقلم الكاتب احمد عوض