منذ عقود، كانت القضية الفلسطينية تمثل بوصلة النضال، رمزًا للعدالة ورفض الاحتلال والظلم. ومع ذلك، في الأسابيع الأخيرة، بدأنا نلاحظ تحولًا غريبًا في أولويات البعض ممن كانوا يُعرفون بأنهم مناصرون للقضايا الإنسانية والحقوقية.
لقد أصبحت السجون في بعض الدول العربية، مثل سوريا، محورًا لخطاب هؤلاء، حيث نرى اهتمامًا متزايدًا بها مقارنة بالسجون العدو اليهودي في فلسطين. لا شك أن معاناة أي إنسان في السجون تستحق التعاطف والاهتمام، ولكن السؤال المطروح هنا: لماذا تضخم قضية واحدة بينما تُهمَّش معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون يوميًا في سجون الاحتلال اليهودي؟
تقارير حقوقية تؤكد أن أكثر من 10,000 أسير فلسطيني يقبعون في سجون العدو الصهيوني، بينهم أطفال ونساء، يتعرضون لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، ويُحرمون من أبسط حقوقهم. ومع ذلك، لا نجد نفس مستوى التفاعل والاحتجاج تجاه هذه المأساة كما نراه تجاه قضايا أخرى.
وإذا كان الحال في سجون الاحتلال اليهودي بهذا السوء، فإن الوضع لا يختلف كثيرًا خارجه، إذ يعيش الشعب الفلسطيني بأكمله تحت الاحتلال في سجن كبير. الحواجز العسكرية، والجدران العازلة، والتضييق على الحركة، والسيطرة على الموارد، كلها تجعل من حياة الفلسطينيين اليومية معاناة مستمرة لا تقل قسوة عن أي سجن فعلي. الاحتلال لا يسجن الأفراد فحسب، بل يحاصر الأرض والإنسان والكرامة.
هذا التناقض يطرح تساؤلات عميقة: هل طغت الانقسامات الطائفية والمذهبية والإيديولوجية على الأولويات الأخلاقية والقومية؟ هل أصبحت بعض الأطراف ترى فلسطين عبئًا على خطابها بدل أن تكون رمزًا موحدًا؟
لا يمكن إنكار أن الأحداث في سوريا، واليمن، والعراق، ولبنان، وغيرها، قد أسهمت في خلق معاناة إنسانية هائلة، ولكن تحويل الأنظار بالكامل عن فلسطين هو بمثابة هدية مجانية للاحتلال، الذي يعمل ليل نهار على محو الهوية الفلسطينية من الوعي العربي والإسلامي.
القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي، بل اختبار دائم للإنسانية والكرامة والحرية. إعادة ترتيب الأولويات، وتوجيه الاهتمام نحو معاناة الأسرى الفلسطينيين، ومواصلة النضال من أجل تحرير فلسطين، هو واجب لا يمكن التخلي عنه أو تأجيله.
فلتكن فلسطين في قلوبنا أولاً، دون أن نقلل من أهمية أي قضية إنسانية أخرى. فالعدل لا يتجزأ، ولكنه يبدأ من تحرير أقدس القضايا وأعدلها.