يأمل الناس، بطبيعتهم، أن تكون المؤسسات الوطنية الكبرى في مجتمعاتهم سندا لهم، أفرادا وجماعات. وهم حتى حينما ينتقدون تلك المؤسسات، فإن الوجه الآخر لنقدهم يحمل في كثر من الأحيان معاني العتب، والطموح نحو الأفضل، والإسهام والمشاركة في كل ما يهمّ المواطنين وأوطانهم، وهذا التعميم يبدو مقبولا في مختلف البلدان والمجتمعات. وكلّما كان للمؤسّسة دور أكبر، ومسّت أدوارها حياة أعداد متزايدة من الناس، وخاصة في ما يتصل بظروفهم المعيشية، كلّما تفاعل المعنيّون مع أدائها باهتمام وتفحّص ومتابعة و«حساسية» أكبر.
وفي حالتنا الأردنية، قد لا يكون مبالغة تأكيد أن ملايين الأردنيين، معنيّون إلى أبعد الحدود بالمؤسسة الوطنية الكبرى، المؤسسة العامة الضمان الاجتماعي، التي تضم أكثر من مليون ونصف المليون من المشتركين الفعالين، وأكثر من مئة ألف منتسب اختياريا، في حين بلغ عدد المتقاعدين التراكمي نحو ثلاثمئة وخمسين ألف متقاعد. وإلى جانب صروفات التعطل، والأمومة، ومواجهة تبعات إصابات العمل، والخدمات الأخرى التي تقدّمها المؤسسة، فإنه يندر أن تكون هناك أسرة أردنية غير معنية بالضمان الاجتماعي، بصورة أو بأخرى.
وانطلاقا من هذا الواقع، أدركت المؤسسة حجم العبء المنوط بها وحساسياته وأهميته، وبادرت في أحيان عديدة إلى ما قد يبدو «خروجا عن الدور الروتيني» المناط بهذا النوع من المؤسسات، فاستطلعت آفاق مساندة منتسبيها ومتقاعديها، وشرعت في استثمار أي فرصة متاحة لأداء دور أشمل وأوسع، وخاصة حين يتعلّق الأمر بالفئات الأضعف اقتصاديا من أبناء المجتمع الأردني. ولأن قضايا التعليم الجامعي وتحمّل أعبائه المالية مثّلت دوما شاغلا كبيرا للأسرة الأردنية، عملت المؤسسة منذ أكثر منذ عامين على إنجاح مبادرة هامة في تحمّل المسؤوليات الاجتماع?ة، وجعلت من البحث عن مداخل لتيسير أعباء الدراسة الجامعية لأبناء وبنات متقاعدي مؤسسة الضمان الاجتماعي هدفا لها.
وبعد تحقيق إدراج مادة (الضمان الاجتماعي) في المناهج الدراسية الجامعية في الأردن، لتغطية الجوانب التوعوية، جرى العمل على توفير عدد من التسهيلات المالية لأبناء وبنات المتقاعدين المشمولين بالضمان، بتقديم منح دراسية كلية أو جزئية، وهي تسهيلات موجهة لمن هم في حالة أضعف اقتصاديا، إذ يُشترط ألاّ يزيد راتبهم التقاعدي عن (275) ديناراً، بالإضافة إلى تيسير عملية دفع الأقساط، بالتعاون مع مؤسسة الضمان الاجتماعي، وأجرت المؤسسة سلسلة واسعة من الاتصالات منذ العام 2023، أفضت، حتى الآن، إلى توقيع عدد من الاتفاقيات الهامة في?هذا المجال، وشملت الاتفاقيات جامعات: عمّان العربية، الزرقاء، الشرق الأوسط، جدارا، العربية المفتوحة، عجلون الوطنية، عمّان الأهلية، البترا، جرش، والكلّيّات الجامعية: لومينوس، الخوارزمي الجامعية، عمّون الجامعية، والعمل جارٍ توسيع العمل في هذا الاتجاه. وقد لاقى تجاوب هذه الجامعات والكليات كل تقدير في المجتمع الأردني.
وبالوقائع والأرقام، وكما أوضح مساعد المدير العام للدراسات والمعلومات في المؤسسة، محمود المعايطة، فقد تمّ إعداد مادة منهجية لتدريس مادة الضمان الاجتماعي في الجامعات، ونُفِّذ ذلك في (9) جامعات وكلّيتين جامعيتين، وشمل ذلك حتى الآن (27,860) طالباً وطالبة، كما تمّ توفير (128) منحة دراسية لأبناء وبنات المتقاعدين، ويجري العمل الآن على الوصول إلى (500) منحة، خلال العامين القادمين، كما تمّ توفير خصومات إضافية لأبناء وبنات المتقاعدين، وتقسيط الرسوم والدفعات الخاصة بالدراسة الجامعية بشكل ميسّر.
وكان لافتا ومدعاة فخر أن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي فازت بشهادة التميز الدولية في جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسة على مستوى منطقة آسيا والباسيفيك للعام 2024، إضافة إلى حصول المؤسسة على شعار التميز المعتمد للجائزة والتي تمنحها الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي (ISSA) وهي منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة مقرها جنيف وتضم تحت مظلتها أكثر من (327) هيئة ومؤسسة ضمان وتأمينات اجتماعية في أكثر من (150) دولة حول العالم. وفازت المؤسسة بجائزة الممارسات الفُضلى من الجمعية الدولية وذلك عن تجربتها في تقديم حوافز خاصة للتخفيف من أعباء الدراسة الجامعية على أبناء وبنات المتقاعدين، ونشر الوعي بمفهوم الضمان الاجتماعي بين طلاب الجامعات. ولكن كل تخفيف عن كل أسرة محتاجة للمساندة وتيسير أمورها جائزة كبرى في حدّ ذاته. ومرحىً بهذا الإنجاز، على أمل تحقيق المزيد،...