وقد يكون ستراً للجهلاء وقد يكون للنفوس إرهاقاً
فقد نصمت قهراً، حزناً، خوفاً، ظلماً، غضباً، ضعفاً، وأحياناً نصمت حنينا، عتابا، شوقاً وألماً
قد يكون هروباً من واقع لا يطاق فيه الكثير من نوايا تُساء
الصمت قد يكون رسالة موجهة وقد يكون جوابا وربما هو شيء من العتاب
هناك من يراه تجاهلاً ولكن خلف كل صمتٍ ألف حكاية وحكاية إن تحدث بها الصمت أسكت كل اللغات
وانتحرت في حضرته كل الكلمات
الصمت جميعنا نهواه ونغرق في بحوره
هو ذلك الصديق الخفيّ الذي نلجأ إليه كلما ضاق بنا الحال وعجزنا عن البوح أو الكلام أحياناً نصمت لأن الصمت أبلغ من الحديث وأحياناً لأنه أرخص أنواع الفلسفة وأعمقها
أحياناً نصمت لأننا نجهل كيف نٌجيب..
أحياناً نصمت لأن في الصمت انتقاماً.. وأحياناً نصمت لأنّ في الصمت احتقاراً
وأحياناً نصمت لأننا نحب
ولا توجد كلمات تعبر عما بداخلنا من حب أحيانا الصمت هو بكاء الروح
عندما لا يفهمنا أحد أحيانا يكون الصمت رسالة صوتها مرتفع يسمعها فقط من يشعر بك وحين تفيض المعاني وتجف الكلمات يكون الصمت سيد الموقف
أحيانا يكون بداخلنا كلام لا يحتاج إلى أذان تسمعه بل إلى قلب يشعر به رغم الوجع
لأننا نعلم بأن حديثنا لن يغير شيئاً
وأحياناً نصمت لنرتاح فقط نصمت وتظل صفحات البوح فارغةً لا تملؤها كل تلك الثرثرة التي نُحدّث بها أنفسنا وتظل الصفحات فارغةً إلا من سطور الدمع الذي ذرفته أعين المعاناة؛ سطور تئن بلا أنين وتصرخ حرقة بلا آهة.
نصمتُ حين يحتاج الكلام إلى حروف غير تلك التي اعتادها، إلى كلمات لا تُشبه التي سمعتها، إلى معانٍ أعمق من تلك التي نستطيع الوصول إليها.
نصمت لأنّ الصمت احتجاج على ظلم ليس بالإمكان رده. نصمتُ لأنّنا خُذلِنا واجتثت زهور تفتحت بالأحلام، وحُطمت أمام عيوننا كؤوس ملأناها بالأمنيات، وأطفئت قناديل الأمل، وظهر شعاع اليأس.
نصمت لأنّ الكلمات سجينة زنزانة الجدوى، فمن العبث أن تصرخ في أذن أصمّ أو تستنطق شفاه أبكم. نصمتُ لأنّ هناك من يُجيد قراءة صفحات الصمت، ويسمع همس السكوت. نصمتُ لأنّ الآخر يرفض الإنصات، ويخشى أن تُؤلمه وقع الكلمات، فيهرب من طنين العتاب ولسعات اللوم، ولكن أنى له أن يهرب من سوط الضمير الذي قد يفيق يومًا ما.