يتحدى نتنياهو الله من جديد، في آخر تصريح له، قائلًا "سنهزمهم حتى لو كان الله معهم"، وهو تحدٍ بدأ عام 2015م، عندما دنس المسجد الأقصى وقطعان المستوطنين، وأمر بقتل كل فلسطيني يقف في وجه الاحتلال حتى ولو بقوله: "الله أكبر".
إن غرور نتنياهو وغطرسته ما هي إلا مؤشر على شعوره النفسي بالهزيمة، فلو شعر نتنياهو بنصره فعليًّا لقال: "إن الله معنا"، على عادة ادعاءاتهم المستمرة بأنهم "شعب الله المختار"، وإيمان نتنياهو بأنه في "مهمة إلهية" لحماية الشعب اليهودي، تستوجب إشعال حرب شاملة في المنطقة، التي لا حدود لها في المخططات الإسرائيلية على خريطة الواقع.
يبدو أن نتنياهو في "حربه الوجودية" لم يقرأ إلا جانبًا من التاريخ مغفلًا الجانب الآخر، فهو امتداد لجبابرة عبر التاريخ من نمرود، إلى فرعون، مرورًا بقارون، وعاد، وثمود، وغيرهم من الجبابرة الذين تحدوا الله، فأرانا الله فيهم عجائب قدرته، وسيرينا بإذنه عجائب قدرته في نتنياهو، وأشباهه الذي ساروا على نهجهم.
وما بين خريطة "البركة" وخريطة "اللعنة" اللتين عرضهما نتنياهو في الأمم المتحدة فإن إسرائيل إلى الآن لم تحقق سوى إبادة جماعية إجرامية، وما زالت تتلقى الضربات الموجعة على يد المقاومة كل يوم، سواء في غزة أو لبنان، ففي غزة ما زالت المقاومة بصحتها، تستهدف العدو بأفضل المعنويات والقدرات، ويتضح ذلك بعد المشاهد التي عرضتها المقاومة تظهر فيها إيقاع قوة إسرائيلية راجلة في كمين محكم بمنزل في منطقة الحاووز التركي غرب معسكر جباليا، شمالي قطاع غزة، وذلك بتفخيخ المنزل بصاروخ "جي بي يو"، وهو من مخلفات جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة.
وأما لبنان فإن المعركة تبدو حاسمة بالنسبة للطرفين، وهزيمة إسرائيل في الجنوب واضحة حتى الآن، فهي لم تتقدم كيلو متر في أكثر من ثلاثة أسابيع، ولم تستول على قرية واحدة.
ومع هذا وذاك فإن اتخاذ القرار بضرب البرنامج النووي الإيراني عسكريًّا، يظل قائمًا، على غرار تدمير المفاعل النووي في العراق عام 1981 والمفاعل السوري عام 2007، لأن نتنياهو الذي يعمل بسياسة "الضرب اولًا ثم احتواء الخلافات مع أمريكا"، يرى نفسه الإله المخلص الذي لا تحيط به قوة، والذي عليه أن يمضي قدمًا في تحقيق ما بدأ منذ عام 2010 باستهدافه البرنامج عبر الهجمات السيبرانية كما حدث في هجوم "ستوكسينت" الشهير، لكن هذه المرة فعليًّا عسكريًّا على أرض الواقع.
ومن وجهة نظرنا نحاول الرؤية بتوازن وحكمة، فلا نكون من اليائسين الذين لا يرون سوى الهيمنة والتفوق الإسرائيلي المدعوم بالقوة الأمريكية والغربية، ولا من الحالمين المقدسين لأساطير المقاومة الذين لا يرون سوى إنجازات المقاومة وقرب انهيار المشروع الصهيوني، إنما إلى جانب الإقرار بالتفوق العلمي والتكنولوجي والعسكري الإسرائيلي الأمريكي، إلا أننا لا نستطيع أن نقر بحتمية القدر بواقع أبدي تحكم إسرائيل قبضته عليه، ونغفل عن مسيرة التاريخ الذي لا يعرف سيادة قوة واحدة إلى الأبد، وإنما يذكرنا بمصير كل متجبر يقف ندًا لله، ولذلك لن نستسلم لمنطق وقوة الغاصب المعتدي، بقولنا إن أحوالنا البائسة وتخلفنا العلمي والتكنولوجي سيظل قائما لأجيال قادمة، إنما علينا أن نستقرئ العبر والدروس على الدوام، وندرك أسباب ضعفنا وتخلفنا وتخاذلنا، والتمسك في الوقت ذاته بالأمل في المستقبل، بقدر تمسكنا بأن الحق والعدل إلى جانبنا.
وهذا لا يعني أننا لا بد وأن نشهد تغييرات جذرية في جيلنا أو سنواتنا القليلة المقبلة، ولكن الأيام دول، ولا بد أن يكون النصر حليف المقاومة لامتلاكها الحق وعزيمة الدفاع عن أرضها ووطنها، وسيخسر العملاء والمتواطئون رهانهم لا محال.