الجريمة واللاعِقاب

الجريمة واللاعِقاب
آدم فتحي
أخبار البلد -  

(من الذي يمشي في جنازة الضمير؟)

ظلّت عبارةُ الجريمة والعقاب دالّةً في أحلك الظروف. لذلك اختارها دوستويفسكي عنوانًا لروايته الشهيرة التي غاص بطلُها راسكولنيكوف في أعماق المعاناة الوجودية بعد ارتكابه جريمة قتل. أمّا اليوم فتبدو عبارة "الجريمة واللاعقاب" أقدر على تصوير واقع الحال. المجرم اليوم في وضع اطمئنان. إنّه يعوّل على "السوشيال ميديا" كي يلمّع صورته في أيّ لحظة. لذلك لا يتعذّب. لا يشعر بالندم ولا بالإحراج. لا يحسّ بتأنيب الضمير ولا يخشى مواجهة العقاب. أصبح الإفلات من العقاب منهجَ حياة. فَصِّل القوانين بنفسك على مقاسك (Pro domo). أعلن أنّ جريمتك شرعية، وأنّك بطلٌ قوميّ، ثمّ نكّل بمن تريد. بالسكّان الأصليّين في أميركا. بالسود لاحقًا. بالقبائل في آسيا وأفريقيا. بالغجر في أوروبا. بالعرب في المشرق والمغرب. يكفي أن تنزع الصفةَ البشريّة عن ضحاياك كي يسهل عليك قتلهم براحة ضمير.

ذاك ما تقوم به إسرائيل في فلسطين ولبنان برعاية الولايات المتّحدة. ذلك كله باسم سرديّةٍ لا يمكن تصديقها إلاّ عن سبقِ إضمار: "حقّها في الدفاع عن نفسها". يُقابلهُ "واجب الآخرين في أن تبيدهم"!. والكارثة أنّ هذا "الزوج" الأميركي الصهيوني أصبح شيئًا فشيئًا مثالًا يحتذى في كلّ بلد يحكمه طاغية. صحيحٌ أنّ الخروج على القوانين الدوليّة ليس في متناول الجميع، إلّا أنّ حُكّامًا كثيرين، بينهم عربٌ طبعًا، يعيدون إنتاج نموذج الحكم الصهيونيّ الأميركيّ في بلدانهم، كلٌّ على قدر طاقته، فإذا نحن أمام تطبيع غير معلن أفدح بكثير من التطبيع المعروف.

اتّسع الفتق على الراتق بين الأخلاق والسياسة. لا شكّ في ذلك. بتنا أمام لحظة ارتداد غير مسبوق إلى مربّع الغابة. إلى مرتبة الحيوان المحض. اختبارٌ فادح تتهافت بين يديه كلّ مماحكاتنا الطائفيّة والمذهبيّة والأيديولوجيّة. وليس من شكّ في أنّ نتائج هذا الاختبار ستكون أشدّ وقعًا وأبعد أثرًا من نتائج الاختبارات السابقة بحُكم ما جدَّ من وسائل الاتصال والتدمير. أصابَ جُرحُ الهولوكوست النرجسيّ الغربَ في مقتلٍ أخلاقيّ أنتج دولة عنصريّة همجيّة توشك أن تدمّر العالم. وما دام العالم يرى ويسمع، ويدّعي مرّة أخرى أنّه لا يسمع ولا يرى، يُحَتَّمُ عليه أن يتهيّأ لجرح نرجسي جديد أبعد غوراً وأفدح نتائج.

حاول الأدب أن يلتقط صورة جانبيّة لهذه اللحظة الفارقة وهي تتشكّل مع الزمن. في رواية "الغريب" لألبير كامو لا يُحاكَمُ البطل على جريمته، قتلِ عربي، بل على لامبالاته وبروده. من يُحاكِم اللامبالاة والبرود العالميّين أمام الفظاعة المعربدة المتوحّشة؟ ومن يحاكم خاصّة اللامبالاة والبرود العربيّين؟ هل ننتظر صيحةً من ضمير؟ يبدو أنّ صوت الضمير مكتوم أو خافتٌ هذه الأيّام. لكن حذار من اليأس. ثمّة دائمًا  ينبح في مكانٍ ما من الصمت. يقف ليصرخ: ليس باسمي! أو حتى ليصوّر فيلمًا بالعنوان نفسه، مثل ذاك الوثائقيّ الذي أخرجه دانيال كوبرشتاين سنة 2019. أو ليضع إمضاءه أسفل بيان أو عريضة، مثل الألفي مثقف الذين وقّعوا تحت الصرخة نفسها في أغسطس/ آب 2024. الضمائرُ مستعصية على الموت مثل كلّ كائن ثقافيّ. قد تُغيّب عن المشهد تحت وابل السرديّات الخبيثة، لكنّها لا تموت تماماً. قد يتمّ دفنُها إلى حين في سراديب العالم السفليّ لجحيم الثقافة إلّا أنّها تعود مثل طائر الفينيق.

من الذي يمشي إذنْ في جنازة الضمير وهو حيّ؟ لا يمشي وراء جنازة الضمير إلّا قتَلَتُه. أو مُتوهِّمُو قتلِه. يمشون وراء جنازته المتوَهّمة حاملين النعش أحيانًا. لا إكبارًا له، بل شماتة في ذويه وتثبيطًا لأهله وإغواء للجميع بالاستسلام لمجتمع "الجريمة واللاعقاب". ولعلّهم لا يأمنون أن يُصابوا من حيث يوجعون، فإذا هم يهرولون نحو السراديب إيّاها في جحيم الثقافة السفلي، ينبشون القاع لإخراج دفينِهِم مقسمين أنّهم لن يعيدوا الكرّة، Plus jamais ça، محاولين الظهور بمظهر الإنسان النادم، مختفين (إلى حين) وراء ضمائر الآخرين. أمّا الآخرون مبدعو إنسانيّة الإنسان ومقاوموها الصامدون المنتشرون في كلّ القارات المنتمون إلى كلّ المشارب، فإنّهم لا يمشون في جنازة الضمير، لأنّهم يعرفون أنّه حيٌّ فيهم وأنهم أحياء فيه. يمشي إلى جانبهم ويمشون إلى جانبه في الأسواق والساحات. يبادلونه الأحاديث في شجون العقل والوجدان. ويبتكرون إنسانيّتهم في ضوئه، بما يكفي لحمايته والاحتماء به.

شريط الأخبار تسارع جنوني.. الدين الأميركي يرتفع 410 مليارات دولار خلال يومين بيع أول حقيبة يد هيرمس بيركين مقابل 10 ملايين دولار انهيار مبنى مفخخ على جنود إسرائيليين في غزة الملك يسلط الضوء على فرص الاستثمار في الأردن خلال لقاء بكاليفورنيا القسام تبث مشاهد محاولة أسر جندي إسرائيلي في كمين مركب نصار: المنتخب الوطني يحضّر للمرحلة المقبلة وإنجازاته لم تكن بـ"الفزعة" انتعاش نشاط تجارة المركبات في المنطقة الحرة بالزرقاء الخارجية تتابع توقيف 4 طلاب أردنيين في روسيا على خلفية وثائق دراسية مفبركة "أبو عبيدة" يوجه رسالة للشباب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس اللجنة التنفيذية للجنة التأمين البحري تعقد اجتماعاً لمناقشة ترتيبات اليوم المفتوح للتأمين البحري يوسف الشواربة "على راسه ريشه".. الكرسي عليه لاصق ومثبت بالبراغي شركة تأمين تبدأ بهيكلة طارئة وأول الغيث الإطاحة بالمدير الدفاع المدني الأردني : استخدمنا آليات حديثة ومتطورة في سورية اعتماد التقارير الطبية الحديثة لذوي الإعاقة في حالات تجديد الإعفاء من رسوم تصريح العمل صاعقة تقتل عروس في شهر العسل "الإدارية العليا" تلغي قراراً لمدير الاراضي وتستعيد أرض نفع عام من متنفذ الدكتورة منال جرار تتوَّج في دبي كإحدى القيادات النسائية الملهمة لعام 2025 بورصة عمان تغلق تداولاتها على انخفاض نقيب المهندسين الزراعين بعد لقاء وزير الصحة: الله يكون بعون جلالة الملك هيبة الدولة.. لا فضل لأحد على الأردن، الأردن فضله على الجميع