أجواء تشاؤم تسبق اجتماع الخميس في الدوحة.. أسبوع من العبث والتصريحات المتناقضة وحركة أمريكية بدون بركة.. مؤشرات على تحميل الإدارة مسؤولية انهيار المفاوضات لحماس.. جولة قتال عنيفة باتت قريبة حسب التقديرات فكيف ستكون حدودها وسقوفها؟
غادر وزير الخارجية الامريكية ” انتوني بلينكن ” الدوحة بعد زيارة لتل ابيب شابها الكثير من التناقض والغموض والتباين في المواقف. وختم بلينكن زيارته للدوحة بالقول ” أنه بمجرد موافقة حماس على مقترح سد الفجوات ستكون هناك حاجة إلى الاتفاق على تنفيذ التفاصيل”.
وقال أيضا انه "سمع مباشرة من نتنياهو أن إسرائيل قبلت مقترح سد الفجوات وأبدى أمله أن تقوم حماس بالشيء نفسه”، وفق تعبيره”.
وضع بلينكن الكرة في ملعب حماس، تمهيدا لتحميلها فشل جولة التفاوض، في الوقت الذي يتحدث فيه الإسرائيليون في مختلف المستويات السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية وحتى هيئة عائلات الاسرى الاسرائيليين ان نتنياهو يعمل على نسف الصفقة من خلال وضع شروط لا يمكن تطبيقها. وما ان غادر الوزير بلينكن إسرائيل مؤكدا امام الصحفيين ان نتنياهو قبل الاقتراح، حتى اعلن نتنياهو انه لن يتنازل عن وقف الحرب والبقاء في غزة والقضاء على حماس. وهذا يعني عمليا رفض الصفقة كليا.
وقال مسؤول امريكي يرافق بلينكن في جولته "”
ن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيليبنيامين نتنياهو "المتشددة” بشأن غزة وما يخص التوصل إلى وقف إطلاق النار، غير بناءة وتهدد سير المحادثات "” رغم ذلك اصر بلينكن على تحميل حماس المسؤولية، وان جوابها هو الفيصل في الوصول الى اتفاق او الفشل. هذه المقاربة لبلينكن قد تكون مواقف استباقية تبعد الولايات المتحدة عن احراج اعلنها صراحة ان نتنياهو يعطل وقف النار، وبالتي افشل جهودها.
وتكمن المعضلة الان لدى الإدارة الامريكية في امرين : الأول الزخم الذي خلقته حول جولة التفاوض هذه من خلال البيانات الثلاثية مع قطر ومصر مرتين، والبيانات المؤيدة التي استجرتها الولايات المتحدة لاعطاء صبغة دولية لتحركها. وهنا الفشل يعني اخفاق واضح للإدارة الامريكية الديمقراطية على اعتاب انتخابات يرفض فيها انصار الحزب الديمقراطي الحرب في الشرق الأوسط. وهذا سيعطي ترامب وحملته الانتخابية فرصة لشن هجمات واتهامات لادارة بايدن بالعجز التام في السياسية الخارجية، اذ كرر ترامب اكثر من مرة انه قادر على وقف الحرب باتصالين هاتفيين فقط.
والامر الثاني : هو ان جولة التفاوض تم ربطها بشكل عضوي بالتصعيد العسكري في المنطقة، وحسب التقديرات فان حزب الله وايران وانصار الله تريثوا بالرد بناء على وساطات كثيرة، طلبت بشكل واضح وملح إعطاء فرصة للمفاوضات للوصول الى وقف الحرب. وحاولت الإدارة الامريكية من خلال إعطاء تحركها السياسي زخما دوليا وعربيا، قطع الطريق على رد عسكري إيراني او من جنوب لبنان، وتبريد التوتر الذي وصل ذروته في المنطقة بعد اقدام إسرائيل على اغتيال رئيس المكتب السياسي في حماس إسماعيل هنية و القائد العسكري الكبير في حزب الله فؤاد شكر، ومن شأن انهيار المفاوضات ان تتحلل هذه الأطراف من القيود ويعود التصعيد مرة أخرى.
ويمكن الاستنتاج من خلال تصريحات بلينكن التي رمت الكرة في ملعب حماس، ان الضغط من الان حتى يوم الخميس المقبل سيكون مركزا عل حماس لقبول الشروط، او فرضها عليها بطريقة او أخرى. وترى حماس ان هذه الشروط وملخصها ” بقاء إسرائيل في محور فيلاديلفيا، ومحور نتساريم في الوسط، والعودة الى الحرب، مع شروط على قوائم الاسرى ” بمثابة شروط استسلام لا يمكن القبول بها بشكل حاسم. وتصر حماس على ما وافقت عليه في اقتراح الرئيس الأمريكي في ٣١ مايو وقرار مجلس الامن، أي انسحاب إسرائيل من القطاع ووقف النار بشكل كامل وشامل وصفقة تبادل.
وفق المشهد الراهن فان الحركة الامريكية المصحوبة بزخم اعلامي وسيل من البيانات المشتركة، لم تحقق شيء، وهي اشبه بالعبث وتقطيع الوقت، والدوران في حلقة مفرغة. إشاعة أجواء إيجابية لا وجود لما يدعمها عمليا، وإعلان عن موافقة إسرائيلية غير موجودة على ارض الواقع، وقلق عارم عبرت عن اكثر من مسؤول وجهة في إسرائيل من تخريب نتنياهو الصفقة، وتشي التعليقات الإسرائيلية والتقارير والتصريحات ان ذلك بات مؤكدا.
كل ذلك اشاع أجواء تشاؤم من ان يحدث اجتماع الخميس أي اختراق فعلي يوصل الى اتفاق. ويبدو ان مسلسل العبث سوف يستمر وان الخميس لن يكون موعد الوصول لخط النهاية لجهة نعي المسار او اعلان نجاح ما. وستحاول الإدارة الأمريكية اللعب بالوقت مجددا من خلال ضرب موعد جديد.
لكن اغلب التقديرات تشير الى ان الجميع دخل مرحلة الاستعصاء، وبات واضحا ان نتنياهو سيكمل في الحرب، لكن الحرب ميدانيا انتهت حسب اعلان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي قالت بوضوح هذا الأسبوع ان العمليات العسكرية في غزة انتهت ولم يبق لدينا ما نقوم به هناك. وعلى وقع هذه الحلقة المغلقة والمراوحة ترجح مصادر عسكرية وسياسية ان الأطراف سوف تتوجه الى جولة قتال حتمية على مستوى المنطقة، جولة قتال لا يمكن تجنبها اذ باتت ضرورة لكسر حالة الاستعصاء والاحتقان الميداني والعسكري. وعلى الأرجح حسب التقديرات ان يرد حزب الله أولا على جريمة اغتيال شكر، وهذا سوف يجعل إسرائيل تحاول استعادة الردع من خلال حملة عسكرية واسعة داخل لبنان تشمل ضرب اهداف أوسع نطاقا، ويلي ذلك رد عسكري من ايران أيضا سوف يجر تصعيدا إقليميا.
لا احد يمكن ان يتكهن بمستوى جولة القتال القادمة ومداها، الجميع مجمع انها ستكون قاسية جدا، ان لم تتجاوز حافة الحرب الشاملة. وقد تتدحرج نحو الحرب المفتوحة وكل السيناريوهات مفتوحة، حتى احتمالات ان تكون تلك الحرب طويلة الاجل.