كانت سلالة إنفلونزا الطيور "اتش 5 إن 1" موجودة منذ عام 1996، لكنها حتى الآن تقتصر إلى حد كبير على الحيوانات. لكنها انتقلت الآن إلى الماشية في الولايات المتحدة ويعتقد البعض أن هذا يعني أننا ننتقل ببطء نحو العدوى البشرية في نهاية المطاف، وهو ما سيترتب عليه عواقب وخيمة.
الأبقار المصابة تصيب بعضها البعض
ظهرت سلامة "إتش 5 إن 1" لأول مرة في الأوز في الأسواق الرطبة في قوانغدونغ بالصين. ومنذ ذلك الحين كانت هناك موجات عدوى مختلفة في جميع أنحاء العالم، حيث أصيب الدجاج والطيور البرية.
لكن بينما كان فيروس كورونا يجتاح عالم البشر، بدأت "إتش 5 إن 1" في الانتشار بسرعة، مما أسفر عن مقتل ملايين الطيور، سواء الداجنة أو البرية، والتأثير على أعداد الفقمة وأسد البحر في جميع أنحاء العالم.
وظهر الفيروس أيضا في مزرعة للمنك في إسبانيا والدببة القطبية في القطب الشمالي.
ومنذ مارس/آذار الماضي، تم تأكيد وجود "إتش 5 إن 1" في أبقار الألبان في تسع ولايات أمريكية. ولا يزال العلماء يحاولون تحديد كيفية انتشار الفيروس.
تقول الدكتورة كيتلين ريفرز، عالمة الأوبئة في كلية جونز هوبكنز للصحة العامة: "يبدو الآن أن معدات الحلب قد تكون إحدى الطرق".
وتضيف: "يجد العلماء مستويات عالية جدا من الفيروس في الحليب. ولهذا السبب يبدو أن معدات الحلب قد تلعب دورا في ذلك".
وتشير إلى أن انتشار الفيروس بين الولايات يبدو أنه يرجع إلى حركة الأبقار المصابة عبر الولايات.
ويُعد الإبلاغ عن حركة الماشية ومراقبتها في الولايات المتحدة ضعيفا مقارنة بالمملكة المتحدة وأوروبا، حيث أدى تفشي مرض جنون البقر في منتصف التسعينيات إلى وضع علامات على جميع الأبقار.
يقول الصحفي المتخصص بالشؤون العلمية كاي كوبفرشميت إنه في الظروف المثالية سنعرف عدد الأبقار التي كانت حاملة للفيروس بدون أعراض ونسرع قدرتنا على اختبار الأجسام المضادة في الدم.
ويضيف: "يجب أن نعرف أكثر قليلا وأن يكون لدينا المزيد من البيانات".
ماذا تعني إصابة عامل مزرعة في تكساس؟
في مارس/آذار الماضي، بدأت الأعراض تظهر على عامل مزرعة ألبان في تكساس بعد اتصال مباشر ووثيق مع أبقارمريضة. وبعد العلاج، تعافى تماما. وأظهرت الاختبارات التي أجريت على الفيروس أنه تحور ليتكيف بشكل أفضل مع خلايا الثدييات.
تقول الدكتورة ريفرز إنه لم يتم اكتشاف طفرة معينة في مكان آخر، لذلك يمكن أن يكون الفيروس قد تحور فقط في هذه الحالة.
وتضيف: "طالما أن هذا الإنسان لم ينقل الفيروس إلى البشر الآخرين، فالفيروس في طريق مسدود".
إذا، لم نبلغ تلك النقطة بعد، وربما لم نقترب منها. لكن كاي كوبفرشميت يقول إنه بينما يشك في وقوع جائحة "إتش 5 إن 1" الأسبوع المقبل أو الشهر المقبل، فإن الفيروس يقترب ببطء من البشر.
ويضيف: "السبب وراء عدم تحول الأمر إلى جائحة ليس له علاقة بتعاملنا نحن البشر بشكل مناسب مع هذا الموقف".
ويتابع: "أعتقد أن السبب فقط هو أن قدرة الفيروس على إصابة البشر، حتى الآن، تبدو ضعيفة جدا . لذلك نحن في بعض النواحي تحت رحمة قدرات هذا الفيروس على التغيير".
وهنا تكمن المشكلة - نحن نعطي "إتش 5 إن 1" بيئة جيدة جدا يمكنه من خلالها التحور، وإذا استمر ذلك لفترة كافية، فمن المحتمل جدا أن يتحور الفيروس بشكل يجعله مناسبا تماما للبشر.
ماذا يحدث إذا بدأ البشر في إصابة بعضهم البعض؟
الانتقال من الحيوانات إلى البشر نادر جدا. وأفادت منظمة الصحة العالمية أنه من عام 2003 إلى عام 2024 كان هناك 889 حالة بشرية معروفة للإصابة بفيروس "إتش 5 إن1" في 23 دولة.
وقد أدى ما يزيد قليلا عن نصف هذه الحالات إلى الوفاة، لكن العديد من الحالات الأخرى لم يتم اكتشافها ومن المرجح أن يكون معدل الوفيات أقل بكثير.
لم يتم الإبلاغ عن أي حالات إصابة بفيروس "إتش 5 إن 1" في الأبقار في المملكة المتحدة. يقول البروفيسور إيان براون، الذي يقود مجموعة علم فيروسات الطيور في معهد بيربرايت، إن المملكة المتحدة – مثل بقية أوروبا - لديها أنظمة قوية جدا لصحة الحيوان مصممة لتتبع ومراقبة التغيرات في سمات المرض.
ويضيف: "إذا تم الإبلاغ عن شيء صغير جدا لكن جوهري في الماشية، فستجري متابعته".
بالنظر إلى ذلك، وفي أعقاب تفشي فيروس كورونا، قد نتساءل عن الاستعداد للقاح. تجتمع منظمة الصحة العالمية مرتين في السنة لمناقشة السلالات الناشئة من فيروس الإنفلونزا.
وقد شعرت بالارتياح الشديد عندما أخبرني البروفيسور براون أن البيانات الأولية تشير إلى وجود لقاحات مرشحة بالفعل لتتناسب مع سلالات الماشية في الولايات المتحدة.
إنها مفارقة، لكن مثلما ساعدنا في خلق الظروف التي تحب فيها الفيروسات التحور والانتشار، أصبحنا في نفس الوقت أفضل بكثير في تتبعها وتطوير الدفاعات ضدها.
دعونا نأمل ألا تكون هناك حاجة إلى هذه الدفاعات.