قال عضو غرفة صناعة عمان، الكاتب الاقتصادي المهندس موسى الساكت، إن العمال الأردنيين في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني حققوا إنجازات وإسهامات كبيرة في بناء الدولة، وأن العامل الأردني حقق نقلات نوعية في التطور والأداء، وأسهم على نحو مباشر في الازدهار الذي شهدته المملكة في عهد جلالة الملك الميمون، خصوصا في القطاعات الاقتصادية، حيث تضاعفت أعداد الأيدي العاملة في قطاع الصناعة إلى نحو أربعة أضعاف، كما وأن رؤى جلالة الملك بهذا الشأن تدعونا إلى استثمار أقصى الطاقات لمنح العامل الأردني الريادة والابتكار لتحقيق الإنجاز النوعي، ليكون منافسا في فرص العمل سواء على النطاق المحلي أو العالمي، حيث الاستثمار في طاقات الموارد البشرية اليوم يحقق النمو والتنمية المستدامة التي تبحث الدول عنها.
وبين الساكت أن السنوات القليلة الماضية ساهمت بشكل كبير في التأثير في عطاء العمال وتراجع مدخولاتهم، سواء كان ذلك خلال جائحة كورونا، أو من بعض الأحداث السياسية التي أثرت في العالم والمنطقة؛ ومن ثم ساهمت بهذا التراجع.
وبين الساكت أن التحول إلى دولة الاعتماد على الذات ودولة الإنتاج وكذلك تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي، كل ذلك يحتاج إلى الأيدي العاملة الماهرة، المدربة والمؤهلة لقيادة العملية الإنتاجية في مختلف القطاعات، وتحقيق هذا التحول الذي نطمح له، وبغياب التدريب والمراكز ذات التخصص الدقيق في التدريب، سيبقى الأمر دون إحراز أي تقدم ملموس في ظل تسابق الدول بهذا المجال، وهذا الأمر يتطلب منا مجاراة الدول التي أعطت العامل الأهمية القصوى ونحذو حذوها، وعملت على توفير كافة المتطلبات اللازمة التي جعلت منه أهم عنصر في العملية الإنتاجية، وانعكس ذلك على اقتصادها على نحو مباشر ومؤثر، فارتفعت نسب النمو لديها وطاقاتها الإنتاجية، محققة بذلك أعلى المعايير العالمية في الجودة والكفاءة، ونجحت في استغلال الفرص واستثمار الأيدي العاملة في السوق العالمي، سواء على مستوى التشغيل داخل الوطن أو في دول أخرى؛ ومن ثم جميع هذه المعطيات تعود بالمنفعة على الدولة الأم من حيث العائد الاقتصادي والتنموي وتحقق أهدافها التنموية.
وأشار الساكت إلى مطالباته الدائمة لإنشاء معاهد ومراكز تدريب متخصصة، تكون بمثابة مخزون حقيقي من العمال المهرة لتوفير الأيدي العاملة لكافة القطاعات، وهذا ما تحتاجه قطاعاتنا فعليا، أما تدريب العمال على المهارات البسيطة الخاصة بالإنشاءات وبعض الحرف، فهذه لها فرص معينة تنافسها اليوم الأيدي العاملة من الوافدين، ولذلك لتحقيق النقلة النوعية نحتاج إلى مراكز ومعاهد تدريب للقطاعات الصناعية، التجارية، الزراعية، السياحية وغيرها من القطاعات التي باتت تفتقر لمثل هذا النوع من العمالة المؤهلة بالتخصصات الدقيقة القادرة على إدامة العملية الإنتاجية.
ولفت الساكت أن خطط الدولة في النمو وتحقيق الازدهار والاكتفاء ببعض المنتجات والخدمات يتطلب تخصيص جزء من المنح والمساعدات الخارجية لعملية التطوير والتدريب والتأهيل، والخطط لإقامة هذه المراكز وآلية عملها ليست بالمعضلة وجاهزة للتطبيق إذا توفرت النية والإرادة، وسيكون لها دور محوري في عملية التنمية خصوصا في المحافظات، ولا ضير من وجود تبادل مهني وفني للعمال الأردنيين وإيفادهم إلى بعض الدول المتقدمة لتنمية خبراتهم.
وحول أعداد العاملين في مختلف القطاعات بين الساكت أن أوضاع العاملين في ظل التضخم الاقتصادي الذي يشهده العالم بالتزامن مع تراجع نسب النمو أصبحت مواقعهم المهنية مهددة، حيث لم يعد الأجر الذي يتقاضاه مجزيا لتغطية النفقات المعيشة ومتطلبات الأسرة؛ وهذه من العوامل التي تؤثر في العملية الإنتاجية المرتبطة أصلا بالعجلة الاقتصادية برمتها، فما بالكم ونحن نتحدث على سبيل المثال عن الآلاف من الأردنيين العاملين ضمن شريحة الأجور اليومية، وهذا يعني أنهم تحت التهديد بشكل يومي ومستمر، ولذلك تطوير وتأهيل مهاراتهم يعني ضمنيا تحسن مدخولاتهم وزيادة الإنتاج؛ ومن ثم قد نجد أبوابا جديدة فتحت للمتعطلين عن العمل للاتحاق بأقرانهم في العمل.
وحول الاستفادة من هذه المراكز والمعاهد في تشغيل المتعطلين عن العمل قال الساكت أن نسبة المتعطلين عن العمل ترتفع سنويا وهذا المؤكد، فالتشغيل يعتمد على ارتفاع نسب النمو وزيادة الاستثمارات وزيادة الصادرات أيضا، وهذه الثلاث نسبها خجولة جدا بالمقارنة بما هو مطلوب، ولا تساهم حتى الآن بالمقدار المنشود في عمليات التشغيل وتخفيض نسب البطالة، علما أن الشباب الأردني اليوم لديه الإمكانية والقبول للعمل بخلاف ما كان قبل سنوات، حيث أن الدول الأخرى لم تعد تطلب أشخاص حملة شهادات، بل تطالبهم بالمهارات الجيدة القادرة على صناعة الفارق، وإلا فإن عملية التشغيل لهم ستكون بحدود الإنفاق على الذات لا أكثر، من هنا لا بد من العمل على تطوير المهارات وتدريب الشباب الأردني بشكل مدروس بعناية، بحيث يستطيع فرض نفسه على العمل، إذا تسلح بالمعرفة والمهارات، وليس الوقوف على طوابير البطالة بانتظار المعجزة التي لن تحدث.
ولفت الساكت إلى أننا إذا أردنا الاحتفال سنويا بعيد العمال، لا بد أن يقترن ذلك بالإنجازات، من حيث زيادة أعداد العاملين في كل عام، وزيادة الإنتاجية وتحسين أجورهم والاهتمام بالسلامة العامة والمهنية، وهذه المحاور لا بد من متابعتها بشكل جيد، ودراسة التحديات والفرص على حد سواء، وإجراء التقييم والتقويم، حتى يكون لدينا بيئة عمل مناسبة، وتشجع الآخرين على الانخراط بالمهن التطبيقية، خصوصا أن رؤية التحديث الاقتصادي تحدثت عن مليون فرصة عمل خلال عشر سنوات، وهذا الأمر يحتاج إلى فريق مكلف لمتابعته والوقوف على كافة متطلباته، وبخلاف ذلك سيبقى الاحتفال بعيد العمال مجرد إجراء روتيني للمجاملة بعيداً عن الإنجاز والإنتاجية وتحسين واقع العمال وزيادة أعدادهم وتحقيق متطلبات النمو الاقتصادي والتنموي.