أغنياء الأردن في الخارج، في دول الخليج، وأمريكا وأوروبا، لاعد لهم ولا حصر، وهؤلاء في اغلبهم يبتعدون عن البلد، ولايستثمرون قرشا هنا، ولا يسعى احد الى الوصول اليهم، او الاستماع لمروياتهم ايضا.
مليارات لا تعد ولا تحصى بأيدي هؤلاء، وإذ تسمع عن قصصهم تعرف ان بعضهم أسيئت معاملته في سفارة، وآخر تعرض لابتزاز ومحاولة الحصول على رشوة منه، وآخر تم تهديده، واخرون يتم ابتزازهم بوسائل ليس هنا محل ذكرها، وبعض اخر لا يشعر تجاه البلد ايضا بأي مشاعر، بل يحمل مشاعر سلبية، لتجارب مر بها، في مرحلة ما.
بدلا من ركضنا وراء المستثمرين الأجانب والعرب، علينا ان نحاول استرداد هؤلاء، واقناعهم بالاستثمار في بلدهم، واذ تسأل بعضهم عن سر ابتعاده، يروون لك حكايات مؤسفة عن تعرضهم لمطبات كبيرة، وتعرض بعضهم لمحاولات سرقة أموالهم، على يد كثيرين، مما يولد لدى اغلبهم نفورا وخوفا من وضع اموالهم في البلد، ولا يقفون مطولا عند الكلام عن الوطن والانتماء، لأن لكل واحد قصته التي لا يريد ان يرويها، وعن المصاعب التي واجهته اذ حاول ان يستثمر في بيئة افترض انها آمنة، فاكتشف انها غير آمنة!
حاولت الجهات الرسمية سابقا اقامة مؤتمرات للمغتربين، ولم تفلح كثيرا بتحريك هذه المليارات لصالح البلد، لأن اثرياء الاردن في الخارج يستثمرون اموالهم في بيئة عربية واجنبية آمنة، وحين يحاولون الاستثمار هنا، لا يتركهم احد بحالهم، من محاولات ابتزاز بعضهم، مرورا بالسعي لتشغيل اكبر عدد ممكن عبر الضغط، ما يؤدي لإفشال اي مشروع، وصولا الى التلويح بوسائل كثيرة من الضغط، فيفضلون ان تبقى اموالهم في الخارج، ويأتون هنا في زيارات، ويمتلكون في احسن الحالات بيتا او مزرعة، من اجل زيارات عابرة، وفوق ذلك يتبادل هؤلاء حكاياتهم، ويسمعون ايضا من مستثمرين عرب، ما تعرضوا له بوسائل مختلفة، اقلها ضغط نافذين هنا للدخول كشركاء سرا في مال ليس مالهم اساسا مقابل تقديم الدعم والتسهيلات.
التقديرات حول اموال الاردنيين في الخارج تشير الى عشرات المليارات، وهذه ثروات طائلة لا يحاول احد اقناعها بالدخول الى الاردن، ولربما يفضل بعضنا المستثمر العربي او الاجنبي ليأتي الى الاردن من اجل الاستثمار، برغم ان الاولوية في الحصول على مزايا الاستثمار يجب ان يحصل عليها الاردني في الخارج، لكن بدلا من ذلك تتم اخافة «ابن البلد» بوسائل كثيرة اقلها التلويح له بفزاعات كثيرة، ويقول احدهم انه تعرض ذات مرة لضغط من اجل دفع خمسين الف دينار مقابل ترخيص شقق فندقية قبل سنوات، وعندما رفض الدفع، هدده احدهم بالوشاية عليه ومنعه من مغادرة الأردن عبر المطار باللجوء الى نافذين من اصدقائه.
في محيط متقلب وغارق بالخراب، يبدو الركض وراء المستثمر العربي والاجنبي مضيعة للوقت، لأن مناخات الربيع العربي وكل مناخات المنطقة لا تشجع احدا على استثمار قرش واحد، والاولى اليوم ان تسعى الجهات المختصة -بدلا من نومها في الكهف- إلى إقناع الاردنيين في الخارج بتسييل جزء من ملياراتهم من الخارج الى الداخل، واقناع اصحاب الودائع في المصارف الاردنية التي تجاوزت اربعة وعشرين مليار دينار -وفقا لإحصائية صدرت قبل يومين- بأن يقوموا بتسييل جزء من اموالهم، بدلا من تجميدها تحت وطأة الذعر والخوف وهبوط الروح المعنوية والخوف من المستقبل.
كل هذه المليارات كفيلة برفع الانجماد عن حال الناس، بدلا من وقوفنا فقط في طوابير انتظار المساعدات العربية والدولية، فيما حل مشاكلنا الاقتصادية متوافر بين ايدينا بوسائل اردنية ومحلية، لولا سوء السياسات وفشلها حتى بإقناع الاردني ان يستثمر في بلده، فكيف ستقنع الاجنبي او العربي بأن يستثمر في بلد غير بلده؟!.
المفارقة تكمن في ان الجميع يشعر بالحرد، فالفقير هنا يشعر بالحرد والعتب لأنه محروم ولا يستطيع ان يعيش، والثري في الخارج يشعر ايضا بالحرد والعتب لأنه لا يعامل كما يجب، ويحاول البعض السطو على ماله، وفي المحصلة تمتد موجة الحرد فلا تترك احدا من حالها وأحوالها