في غزوةِ بدر خرجَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه و سلَّم مع أصحابهِ طلباً لعير قريش العائدة من الشَّام و قال لأصحابه: "هذه عيرُ قريش فيها أموالُهم فاخرجوا إليها لعلَّ اللَّه يُنفِلكُموها"
علمَ أبو سفيان بالخطر المُحدق بقافلته فأرسل ضمضم بن عمرو إلى مكّة يستنجد بقريش..
خرجَت قريش مسرعة لإنقاذ عيرها، لكنَّ قائد القافلة أبو سفيان استطاع بخبرته النَّجاة من الخطر و أرسلَ رسالةً إلى قريش يخبرُهم فيها بنجاة القافلة و طلبَ منهم الرجوعَ إلى مكَّة.
همَّ جيشُ مكَّة البالغ ١٣٠٠ محارب بالرُّجوع، لكنَّ أبا جهلٍ رفض ذلك مهدِّداً و متوعِّداً: "واللهِ لا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرَاً، فَنُقِيمَ فيهَا ثَلَاثَةً، فَنَنْحَرَ الجَزُورَ، وَنُطْعِمَ الطَّعَامَ، وَنَسْقِيَ الخَمْرَ، وَتَعْزِفَ لَنَا القِيَانُ، وَتَسْمَعَ بِنَا العَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدَاً ".
لكنَّ بعضَ القومِ لم يطيعوه فرجعَ الأخنسُ بن شُرَيق بقومه.
وهكذا أصرَّ أبو جهلٍ على عنجهيَّته وغروره فكان اللِّقاء الدَّامي و مُنِيَت قريش بهزيمةٍ ساحقة.
وقُتل أبو جهل شرَّ قتلةٍ من قِبَل غُلامين، واجتزَّ رأسهُ عبدُ الله بن مسعودٍ رضيَ اللَّه عنه.
هكذا هي نهاية و مصير الطَّواغيت في كلِّ عصرٍ و زمان يَجنونَ على أنفسهِم وعلى قومِهم ثمرةَ غطرَستِهم فبسبب تجبُّر و تكبُّر و صلفِ أبي جهلٍ قُتل ٧٠ من كفَّار قريش و أُسِر منهم ٧٠ آخرين من قِبَل قلَّة مجاهدةٍ خرجَت في طلَبِ العير.
كذلك شأنُ النتن.. فتصرُّفاته شبيهةٌ بتصرُّفات أبي جهل، إذ تتَّسمُ بالصَّلَّف والكِبْر والغرورِ والعنجهيَّة، حيثُ رفضَ الاعترافَ بأيِّ حقٍّ للفِلسطينيِّين منذ تولِّيه الحكمَ و رفض كلَّ مبادرةٍ للسَّلام وصادرَ أراضٍ للفلسطينيين في الضفة الغربيَّة، وزاد من وتيرةِ بناء المُستوطنات و أطلقَ يد قطعانِ المستوطنين تعيث فساداً في الضفة الغربيَّة، و شرعَ في تقسيمِ المسجدِ الأقصى زماناً ومكاناً، وأخذَ جنودُه يعتدونَ على المُصلِّين في باحاتِ المسجدِ الأقصى و واصلَ تطبيعَهُ معَ الدُّولِ العربيَّة بدونِ أيِّ مقابلٍ لتحقيقِ حقٍ من حقوقِ الفلسطينيِّين، واستمرَّ في حصارِ قِطاع غزَّة.
إنَّه العلوُّ و الجَبروتُ و التَّسلُّطُ الذي اتَّصفَ به، فلمَّا تعرَّضَ جيشُهُ لهزيمةٍ نكراء، وتمَّ قتلُ بعضِهم و أسرُ آخرينَ منهم في السَّابع من أكتوبر، جيَّشَ الجيوشَ وهدَّدَ بالقضاءِ على حماس و تحريرِ الأسرى دونَ قيدٍ أو شرط .
وتوعَّد باجتياحِ قِطاع غزَّة رغمَ تحذيرِ بعضِ الخُبراء العسكريِّينَ له من خطورةِ ذلك.
غيرَ أنَّهُ أصرَّ في غيِّه و تمَّ الاجتياح.
ورغمَ الخسائرِ الفادحةِ التي لحِقَت بجيشِه وتدميرِ آليَّاته، و فشلِه في تحقيقِ أيِّ هدفٍ من أهدافهِ و تدهورِ اقتصادِ كيانِه و شعورِ مواطنِيه بفقدانِ الأمنِ و هجرةِ بعضِهِم، و رغمَ تغيُّرِ الرأيِّ العامِّ تجاهَ اليهودِ مِن تعاطُفٍ معَهم إلى مبغضٍ لهم، ورغمَ مطالبةِ مسؤولينَ كبار بإقالته وأنَّهُ غير جديرٍ بقيادةِ الكيان، ورغمَ اتِّهامهِ بالكذب من قِبلِ شخصيَّات معتبرةٍ لدى الكيان إلَّا أنَّه ما زالَ مُصِرَّاً على مواصلةِ القِتالِ الفاشلِ و الَّذي لم يحقِّق منهُ سوى دمارِ البيوت على قاطنيها والمستشفياتِ والمدارسِ ودورِ العبادةِ.
ومعَ دخولِ المعركةِ شهرَها الرَّابع لم يحقِّق أيَّ هدفٍ ممَّا وعدَ شعبَهُ به.
و ليقينهِ أنَّ وقفَ إطلاقِ النَّار بدونِ تحقيقِ ما وعدَ بهِ يعَدُّ هزيمةً له، وفشلاً ذريعاً و بالتَّالي سوف تتِمُّ محاكمتُه، لذلك تجدهُ يستمرُّ في غيِّهِ كما استمرَّ أبو جهلٍ في غيِّه، وإن شاء الله تكونُ نهايتهُ كنهايةِ أبي جهلٍ الذي ألحقَ هزيمةً منكرةً بكفَّارِ قريش.. فنهايةُ كلِّ طاغوتٍ و متعجرفٍ تنتهي بنهايةٍ مُذلَّةٍ مخزيةٍ لهُ ولمن أطاعوه.
لذلك لا غرابة أن يصرح رئيس الأركان الأسبق دان حالوتس بالقول:
"خسرنا الحرب ضد حماس وانتصارنا سيكون بإزاحة نتنياهو".
فالنصر في نظر بعض قادتهم اُختزل بالتخلص من النتن.