الرسائل التي حملتها زيارة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد إلى وزارة الخارجية واجتماعه بنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين، لم تكن ذات عناوين سياسية وحسب.
فلقد رافق الإشادة بأداء وزارة الخارجية في حمل مواقف الأردن للعالم، إضاءات أخرى منها اقتصادية واستثمارية في غاية الأهمية، لا يجب التوقف عندها مطولا فقط، بل مباشرة العمل بها لترجمتها على الأرض واقعا، بصورة عاجلة.
لقد كتبت عبر هذا المنبر عدة مرات حول دور السفارات في جذب الاستثمار، واستشهدت بقيام غالبية سفراء الدول الصناعية بذات الدور من حيث توأمة عملهم السياسي مع العمل الاقتصادي وإيمانهم أن ذلك جزء من رسالتهم في تمثيل وطنهم خارجيا.
إن السفارات الأردنية في 57 دولة حول العالم، ليست فقط بعثات دبلوماسية ذات أدوار سياسية، فالاقتصاد أحد أهم الملفات التي يفترض أن تضعها بعثاتنا الدبلوماسية كمحدد مهم للعمل والتركيز عليه، سويا، مع الأدوار السياسية، وهذا ما نبه عليه سمو ولي العهد.
الدبلوماسي الأردني، تحديدا، عليه أن يحمل في حقيبته أهدافا اقتصادية استثمارية يسعى من خلالها إلى جذب ما يمكن جذبه من استثمارات ومشاريع للأردن، وذلك انسجاما مع الرؤية الملكية للاقتصاد الوطني وتطبيقا لها.
سمو ولي العهد، في الاجتماع، الذي تخلله اتصال مرئي مع ممثلي البعثات الدبلوماسية الأردنية، نبّه إلى أهمية دور البعثات الدبلوماسية على الصعيد الاقتصادي، عبر تكثيف العمل لجلب الاستثمارات الخارجية.
هنا يبرز أحد أهم الأدوار التي على السفارات الأردنية أن تضعها كأولوية، وذلك في سياق تعزيز علاقات التعاون مع دول العالم، بما يخدم المصلحة الوطنية، وتحديدا في الجانب الاقتصادي وجذب الاستثمارات وخدمة مشروع الدولة الاقتصادي المتمثل في رؤية التحديث الاقتصادي.
دعونا نحسبها بالورقة والقلم: ماذا لو نجحت كل سفارة من سفاراتنا في جذب 57 مشروعا أجنبيا بغض النظر عن حجمه، واستفادة البلد منه.
بعيدا عن ما يسمى بـ”المشاريع الكبرى” على أهميتها، نحن هنا نتحدث عن المشاريع في كافة القطاعات، السياحة، الصناعة، الزراعة، مشاريع "صغيرة ومتوسطة” يمتلك الأردن فيها ميزة تنافسية نفتح لها باب النجاح.
فيجب علينا أولا أن نتسلح بالخريطة الاستثمارية وملفها الذي يبين أنواع الاستثمارات التي يتميز الأردن باحتضانها عن باقي الدول وكذلك ما هي المميزات التي يحصل عليها المستثمر.
مثل هذه الأهداف لا تتطلب ترتيبات معقدة. ويكفي أن تتسلح بعثاتنا بالمعلومة والدورات لتكون جاذبة للاستثمار، ومنها تنظيم خلوة سنوية تعقدها وزارة الخارجية للبعثات الدبلوماسية بالشراكة مع القطاع الخاص بهدف تبادل المعلومات والتشبيك، بعيدا عن الاجتماعات الصورية والكلمات المكررة.
نحن لا نفتقر إلى القوانين والتشريعات، بل الجميع يعلم أن مشكلتنا أغلبها معيقات إدارية، يسهل تجاوزها بقليل من التركيز، والسير بجدية أكبر في مسار تحديث القطاع العام، إذ لا يمكن توفير بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات دون وجود قطاع عام كفؤ ومُمَكِّن لعمل القطاع الخاص، وبعثات دبلوماسية اقتصادية كفؤة تعمل على تعزيز العلاقات مع البلدان الشقيقة ليس فقط على المستوى الدبلوماسي والسياسي، بل أيضا على الصعيد الاقتصادي والاستثماري.
وهنا لا بد من وضع خريطة طريق للبدء بتنفيذ رؤية سمو ولي العهد فهي أولى الأولويات حاليا ولا بد أن تضع القطاعات أجندتها الاقتصادية تحت تصرف هذه الرؤية.