بين لحظة وأخرى، فقدت شقيقة كاتب التقرير نجلها مجد عرندس (29 عاما)، لتوه كان قد عاد إلى المنزل يحمل بين يديه خضروات جلبها على عجل من أحد المحال، وعاد لمنزله، يتحدث إلى أمه عن طعام يريد أكله، لم تمض إلا دقائق حتى دوى صوت انفجار في المكان، وتبدأ معه قصة الفقدان والألم.
يقول فضل عرندس، والد هذا الشاب، عندما وقع القصف ركض مجد إلى أعلى البناية، ومن ثم نزل مسرعا، بعد أن عرف المكان عندما شاهده من علو، ويضيف "حاولت منعه من الخروج”، فرد "هناك ناس يحتاجون للمساعدة”، وكان يقصد من تعرضوا للقصف.
ويشير والده إلى أنه لم يستطع أن يمنعه بعد سماع تلك الكلمات، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى دوى صوت انفجار ثان في المكان، ناجم عن صاروخ إسرائيلي جديد، يقول والده "صرخت مجد استشهد”.
على عجل أسرع والده وسار باتجاه نجله، وهناك وجد أن شبانا قد حملوه، وقد أصيب بشظايا في الرأس، لينقل إلى المشفى، ويبلغ وقتها أحد الأقارب والدته أنه مصاب، رغم تأكده من استشهاده قبل نقله إلى المشفى، حتى يهيئ نفسيتها إلى ما هو أسوأ، لكن الأم المكلومة لم تقتنع بالرواية، وتيقنت أن نجلها قد قضى نحبه.
وفي غزة، وبفعل ظروف الحرب، لم تعد هناك مراسم رسمية لتشييع جنازات الشهداء، على غرار ما كان سابقا، فالمشاركة في الوداع والتشييع تقتصر على من حضروا، وفي أغلب الأوقات لا يتمكن مقربون من الدرجة الأولى من حضور الجنازة أو وداع الشهيد.
وقصة استشهاد مجد خريج كلية الإعلام، والذي عمل في مهنة الصحافة واختص بالتصوير، هي واحدة من قصص آلاف الشهداء الذين قضوا نحبهم في هذه الحرب وتركوا حسرة ومرارة في قلوب أقاربهم وأحبائهم.
فما بين لحظة السقوط بفعل تلك القذيفة، والوصول إلى المشفى لاستخراج شهادة الوفاة ووضع الشهيد في الكفن، لم تمض سوى أقل من ساعة، لكن بسبب انعدام المواصلات من المناطق البعيدة، وتردي شبكات الاتصال بسبب التشويش الإسرائيلي المتعمد، لم يستطع الكثير من الأهل الوصول إلى منزل العائلة لإلقاء نظرة الوداع، والمشاركة في التشييع، وهذا الأمر ينطبق على جميع الشهداء الذين سقطوا خلال هذه الحرب.
فلهذا الشاب شقيقة تقطن وعائلتها مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، إذ تبعد نحو 30 كيلومترا عن منزل والدها، ولم تتمكن بسبب ظروف الحرب، ولا بعض أقاربه الذين يقطنون في نفس المخيم من المشاركة في التشييع، وظلت آخر صورة لقاء لهم مع مجد، هي التي تحتفظ فيها ذاكراتهم.
أكثر ما كان لافتا في قصة هذا الشاب، هو إصرار والدته على حمل جثمانه، والمشاركة في التشييع إلى مثواه الأخير، بعد أن احتضنته كطفل صغير في باحة المنزل لحظة الوداع الأخير، ورفضت تركه إلا بعد تدخل الأهل، فربطت على قلبها لدقائق، وأدت ما كانت تريد، ثم عادت وانهارت من جديد، ولم تلق بالا لكلمات المواساة من النسوة الحاضرات.