يتحدّث الكاتبان عن كيف تحوّل اليهودي في الذاكرة العربية إلى رمزٍ لكلّ ما هو شرير وسيء، فالعرب حين يريدون شتم أحد يقولون عنه: يهودي، حين يصفون أحداً بالبخل يقولون إنه بخيل كاليهود. العرب أيضاً مؤمنون بأن العالم يُدار بمؤامرة يهودية تستهدف الإسلام. العرب أيضاً يصفون معارضي أنظمتهم باليهود أو بعملاء اليهود، يتحالفون مع أنظمتهم الاستبدادية في وصم كل من تكرهه الأنظمة بهذه الوصمة. باختصار، يشكّل اليهودي في ذاكرتنا الجمعية العربية والإسلامية كل ما هو سيء وبشع وشرّير، من دون التمييز بين اليهودية ديناً، والصهيونية حركة أيديولوجية سياسية تستخدم الميثولوجيا اليهودية لتحقيق غاياتها
لا يتطرّق الكاتبان إلى هذه الفكرة، لا يذكران شيئاً عن الحركة الصهيونية ولا عن أهدافها ولا عن أن الدولة الناشئة عنها محتلة وفاشية ومجرمة واستعمارية، ومارست وتمارس منذ تأسيسها جرائم إبادة بحقّ الفلسطينيين لا تقل هوْلاً عن جرائم الهولوكوست. لا يأتي الكاتبان على هذا. يكتبان فقط أن هناك جرائم تُرتكب ضد اليهود، يرتكبها المسلمون العرب (الهمجيون) الكارهون لليهود لمجرّد أنهم يهود
تأتي المقالتان، وقبلهما مقالة لا تقلّ سوءاً للطاهر بن جلون، في المجلة نفسها، في وقت تنهج فيه السياسة الغربية نهجاً ينسف كل ديمقراطيتها المزعومة، ليس فقط بسبب دعمها المعنوي والمادي والعسكري لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنّها ضد غزّة بحجّة إرهاب حركة حماس، بل بمنعها كل أشكال التعبير والتضامن مع الفلسطينيين، تحت طائلة الاعتقال أو الحظر أو سحب الجنسية، على طريقة الأنظمة الديكتاتورية التي يدّعي الكاتبان معاداتها
يتطوّع كتّاب عرب مسلمون لتكريس سردية الصهيونية عن كره العرب والمسلمين لليهود، من دون أي وازع أو ضمير أخلاقي، في وقتٍ يشاهد فيه العالم بأكمله على الهواء مباشرة ما تفعله إسرائيل بأهل غزّة من إبادة جماعية تستهدف المدنيين أينما كانوا. واللافت أن الكاتبيْن يشيران إلى معارضتهما أنظمة الاستبداد العربية التي يرون أنها تغذّي حقد شعوبها ضد اليهود، في فهمٍ بالغ الركاكة (ربما ركاكة مقصودة للتأكيد على همجية العرب والمسلمين) لتركيبة هذه الأنظمة وعلاقتها المركّبة مع الاحتلال منذ عام 1948، خصوصاً بعد سيطرة الدولة العسكرية الأمنية على كل الدول الحدودية الكبرى مع فلسطين المحتلة
لا يستثني الكاتبان سوى نفسيهما من كراهية العرب والمسلمين اليهود، يعمّمان نظريتهما علينا جميعاً، يجعلاننا نبدو كأميين همَج أغبياء، يعمينا الحقد والجهل عن رؤية "الصديق اليهودي الجيد المتحضر". هكذا هما يبرّران لإسرائيل حرب إبادتها غزّة وأهلها، فهي تدافع عن وجودها المستهدف من مجموعة بشرية تتغذّى من الحقد على اليهود، هكذا أيضاً يجب القضاء على الطفل قبل الشيخ، ذلك أن هذا الطفل إن كبُر فسوف يقتل يهودياً
يتقمّص الكاتبان عقدة الذنب الأوروبية تجاه اليهود، بسبب الهولوكوست، ويتناسيان أن العرب والمسلمين لم يشاركوا في الهولوكوست، وليست لديهم عقدة ذنب بسببها، بل كانوا ضحية أخرى لتلك الإبادة، ذلك أن الصهيونية، بدلاً من معاداة متسبّبي الإبادة، عَقدت صفقة معهم لإنزال العقاب بشعوبٍ لطالما كان اليهود مواطنين يعيشون فيها، مثل المسلمين والمسيحيين
المضحك في المقالتين المثيرتين للاشمئزاز الصورة التي اعتمدها عمر يوسف سليمان، والتي يبدو فيها كيهودي من بدايات القرن العشرين، ربما ليؤكّد ما ذكره في المقالة عن أصوله اليهودية التي اكتشفها مصادفة