لم أخفِ انزعاجي ذات يوم من صيف عام 1979 في مكتب رئيس الوزراء السوري محمد علي الحلبي حين علق على طلب خطي لرئيس وزراء الأردن مضر بدران أن تصدر الحكومة السورية موافقة خطية على بناء سد المقارن، علق بقوله: «إننا نريد التأكد من أن الأردن لن يواجه ما واجهته مصر بسبب ديونها لشق قناة السويس..» قاصداً بذلك احتلال مصر عام 1882 بسبب «عجزها عن سداد الديون» وإلى نية الأردن الإقتراض لبناء سد ادعى أنه غير مجد استفزني تعليقه وأجبته حينها بما يليق وأكثر. إلا أنني الآن لا أخفي الدرس الذي علمني إياه ذلك التعليق يوم كان تركيزي على النواحي الفنية دون تفاصيل المناحي التمويلية كما هو دأب بعض مسؤولينا اليوم.
رجع هذا الموضوع للذهن لما نقلت وسائل الإعلام على لسان رئيس الوزراء ما تكلم فيه نيابة عنه في الدوحة وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور جعفر حسان. إذ ذكرفي خطابه أمام المؤتمرين نية الأردن المضي في مشروع المفاعلات النووية وفي اختيار المطوّر لمشروع قناة البحرين. وأي المشروعين مكلفٌ جداً قياساً بحجم الإقتصاد الأردني الكلي وأنماط توزيع الدخل القومي فيه ناهيك عن كليهما.
وفي حديث لي مع المسؤولين عن مشروع قناة البحرين، وأنا أحد أردنيين اثنين فكرا به عام 1978 وفي إعداده، وأخذت على عاتقي وضعه على أجندة المفاوضات مع إسرائيل، ثم تخصيص مادة له في المعاهدة، ذكرت لهم أن كلفة المشروع فوق طاقة الأردن تحمل نصيبه منها حتى لو لم تكن الخزينة مديونة للغير كما هي اليوم. وأكدت لهم أن ما حدا بنا للدفاع عنه في مفاوضات السلام هو قدرته على اجتذاب المنح والمساعدات غير المستردة خدمة للسلام الشامل بدلاً من زيادة الإنفاق على التسلح. وفهمت من جوابهم أن أموالاً من القطاع الخاص الأجنبي ستمول المطور دون تكليف الخزينة عبء تمويله. وعليه أعلن عن الحاجة لاختيار مطور، وتتجه النية كما أعلن الوزير حسان إلى اختياره بعد أن تم فحص العروض وتقييمها في دنفر بكولورادو الأسبوع الماضي.
أثار جواب المسؤولين فيَّ الهلع بدلاً من أن يجلب الطمأنينة. فكأن أموال القطاع الخاص منحةٌ يقدمها أصحاب المال للمستهلك الأردني، والواقع أن هذا الإستثمار الخاص سيسترد مع أرباحه وأكلاف مخاطراته من جيوب المواطنين المستعملين لمخرجات المشروع، وهي أعباء ينوء بحملها الأغنياء فما بالك بجموع الأهالي من ذوي الدخول المحدودة الذين ينتظرون وصول مياه المشروع العذبة لمنازلهم؟ ولا أتصور أن أي مال خاص يخوض هذه المغامرة دون ضمانات تقدمها جهات سيادية هي في حالتنا هذه خزينة المملكة التي تئن تحت وطأة الديون حالياً. وأنا على يقين أن كلفة إيصال مياه الديسي الذي يتغنى به المسؤولون هي فوق طاقة المستهلكين لها فكيف بطاقتهم على مواجهة أكلاف مياه مشروع قناة البحرين؟
ومثل ذلك أو يزيد ينطبق على مشروع المفاعل أو المفاعلات النووية ويضاف إلى أعباء استرداد كلفتها أخطار بيئية ماثلة في تكنولوجيا الإنشطار النووي الذي تعتمده، وتحديات التشغيل والتخلص من الوقود الثقيل.
لعل عند الحكومة جواباً يطمئن بال العامة والخاصة، وأخشى أن الحكومة الحالية تقف حيال المشروعين خارج ساحة اللعب وأن التطور في كليهما ناتج عن الزخم الذي ولّدَهُ المشروعان في الماضي، وفي هذه الحال نتوقع منها الإصلاح وتعديل المسار، فالديْن شرُّ جار. فأنا لست مع المُقَنَّع الكِنْدي، وآمل ألا تكون الحكومة معه، في قوله:
يعاتبني في الديْن قومي وإنما ديونيَ في أشياءَ تُكْسِبُهُمْ حَمْدا
عسى أن يؤول ضيق الحال إلى زوال فنبادر إلى تحقيق المحال.
أعالقون في براثن الديون؟
أخبار البلد -