أخبار البلد- ففي افتتاحية بعنوان "أجوبة”، كتبها أعضاء من هيئة تحرير مجلة تيارات يهودية (Jewish Currents) عن تطهر المانيا من المحرقة، ترجمها باقتدار مزدوج باللغتين الإنجليزية والعربية د. علاء أبو زينة، ونشرها في جريدة الغد (16-17/8/2023) التي من لا يواظب على قراءتها تظل معرفته السياسية العامة والخاصة ناقصة، دروس وعبر شتى ذات انعكاسات قوية على قضية فلسطين، استرجع خلاصتها وأعلق عليها كالتالي:
ومن ذلك أن برامج، التعليم الجديدة في المدارس الألمانية عن المحرقة/ الهولوكست، مخصصة لدمج المهاجرين العرب والمسلمين في روحية المسؤولية والتكفير عن الجرائم التي ارتكبتها النازية ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية. بمعنى أنك يا فلسطيني، أو يا عربي، أو يا مسلم وقد حصلت على الجنسية الألمانية فأنت تصبح مثل أي الماني مسؤول عن هذه الجريمة، ويجب ان تكفر عنها وتتطهر منها، لدرجة جعلتهم يخافون إرسال أطفالهم إلى هناك، أي إلى المحرقة.
هم – أي العرب والمسلمين المتجنسين- يعتقدون أنهم لا ينتمون إلى هذا التاريخ، ومن ثم يجب أن لا يفرض عليهم الانخراط في الماضي الألماني، لكن المانيا المتطهرة من المحرقة ترى أنهم وقد أصبحوا ألمانا فإنه يجب عليهم أن ينخرطوا في الماضي الألماني وأن يتحملوا ما فيه من مسؤوليات لأن الجنسية الألمانية ليست مجانية. ان لها ثمناً كبيراً يجب على الحاصل عليها أن يدفعه كأي ألماني، وهو ما أطلق عليه " بالمأزق المزدوج للمهاجرين” وبخاصة للفلسطينيين والعرب والمسلمين.
لعل المس الذي أصاب المستشار الألماني شولتز في أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده مع السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، عندما ذكّر الألمان بان الفلسطينيين يتعرضون إلى خمسين محرقة كل يوم على يد إسرائيل، أوضح دليل على الحالة الألمانية اليهودية الصهيونية الإسرائيلية الجديدة. كما جُنّ الاتحاد الأوروبي من أقوال عباس فوصف تصريحاته بالكاذبة والمضللة بشكل صارخ وبمعاداة السامية. ووصلت حرارة تصريحات عباس البيت الأبيض فوصفها بالبغيضة والمعادية للسامية، وطلب من أبي مازن تقديم اعتذار فوري.
ضمن هذا النموذج يوجد "جوهر الألمانية المعاصرة " ذات الحساسية الشديدة جداً لمعاداة السامية. أي انه يجب على المهاجرين الذين تجنسوا تبني إرث الجناة النازيين. وعندما يفشلون في ذلك يُتخذ هذا الفشل كعلامة على أنهم لا ينتمون حقاً إلى المانيا الجديدة التي تعززت سمعتها كنموذج لمحاسبة الذات الوطنية والذي تجلى بالنصب التذكاري الضخم للضحايا اليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، المقام في وسط برلين.
مع أن تطهّر المانيا من المحرقة يثير الإعجاب الذي لا مثيل له عند غيرها من البلدان ذات الماضي المماثل في اضطهاد الشعوب المغلوبة على أمرها بالاستعمار أو بالإبادة كما في اميركا، إلا أن بعض النقاد يعتبرون هذا الالتزام المانيا الأحفاد بذكرى المحرقة مشروعاً نرجسياً له عواقب غريبة ومقلقة بالنسبة للمهاجرين. ويرى بعض الكتاب – في الافتتاحية – أن على اليهود بحضورهم الجسدي في المانيا أن يمثلوا الديمقراطية الألمانية الجديدة فيرد عليه آخر بأنهم قاموا بهذا الدور تماماً.
لكن هذا وذاك أدى إلى رد فعل الماني تمثل في انفجار المشاعر القومية الألمانية (الآرية) كما تنجلي في النجاح المقلق لحزب "البديل من أجل المانيا” الشعبوي اليميني بالفوز في عدد غير قليل من المقاعد في البرلمان الألماني عام 2017. وقد زاد من غلواء هذه المشاعر وازدياد العنف عند اليمين المتطرف تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط على ألمانيا سنة 2010 وما بعدها وجلهم عرب/ مسلمون، مما أدى إلى ممارسة العنف ضدهم لدرجة الدعوة إلى إبادتهم الكاملة مع غيرهم من الأعراق والثقافات الطارئة.
تمحور التعصب والقمع والاضطهاد في ألمانيا حول الجالية الفلسطينية الأكبر عدداً في أوروبا - التي يبلغ عدد أفرادها بمائة ألف - بمنعهم من التظاهر دعماً للأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل ومن إحياء ذكرى النكبة، أي ذكرى طردهم من وطنهم. وقد استهدف الاعتقال الذين كانوا يرتدون الكوفية الفلسطينية، أو يحملون العلم الفلسطيني.
لقد أصبحت المانيا ساحة معركة سياسية أساسية في الصراع حول ما تعنيه اليهودية الآن، وكيف سيؤثر ذلك على الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.
ترى مجلة تيارات يهودية المكرسة للحياة اليهودية، وللحرية الفلسطينية ولذكرى المحرقة، في الوضع الحالي للذاكرة الالمانية عملة ذات وجهين: من الملهاة والمأساة، فبعد إنكار المانيا الغربية للمحرقة بعد الحرب، وإذا بها تنقلب على نفسها وتعترف بأنها المسؤولة عنها، ويجب التكفير عنها.
يغطي الألمان هذا التحول العكسي المثير نحو التوبة بما سمي بعملية التصالح مع الماضي، الذي هو في الحقيقة المحور الجديد للهوية الوطنية الألمانية الليبرالية المتسامحة.
لقد أصبحت ذكرى الهولوكوست في المانيا العلامة لمعيارية سياسية جديدة: مجتمع السوق، والديمقراطية الليبرالية والدفاع (الانتقائي) عن حقوق الإنسان. والسبب ان الهولوكوست هو أكثر من مجرد حدث تاريخي مهم. إنه صدمة مقدّسة لا يمكن تلويثها بصدمات مدنّسة من الضحايا غير اليهود. ولعل هذا ما فكر به شولتز عندما انفجر معترضاً على كلام عباس بما معناه: كيف تقارن دم الفلسطينيين بدم اليهود؟ كيف؟ هل أنت مجنون؟ هؤلاء هم شعب الله المختار وأنتم شعب الله المحتار.
في خطاب مستشارة المانيا السابقة في الكنيست (2008) أعلنت "أن ضمان أمن إسرائيل هو جزء من ألمانيا”، وكأنه سبب وجود ألمانيا نفسها، "وإن المانيا موجودة لدعم الدولة اليهودية”. وبموجبه اعتبر البرلمان الألماني (2019) حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل بما في ذلك الهوية الفلسطينية نفسها في ألمانيا حركة معادية للسامية، وأن الجسم الجماعي الفلسطيني معادٍ للسامية وجودياً إلى ان يثبت العكس، بمعنى أنه أضرار جانبية للرغبة الألمانية المتزايدة في التطهر من معاداة السامية. بل وصل الأمر بها إلى اعتبار العرب والمسلمين وبخاصة الفلسطينيين، وكأنهم المسؤولون عن المحرقة.
على الرغم من ذلك لا نكف عن محبة المانيا كمثل اعلى في تجاوز هزيمتين عالميتين في الحربين العالميتين الأولى والثانية خلال ثلاثين سنة وفي نهوضها اقتصادياً وعلمياً وتقنياً وسياسياً في وقت قصير.
فمتى نرى أميركا تقوم في التطهر من أكبر جريمتين بالتاريخ وهما أبادة الهنود الحمر واستعباد الأفارقة، وإسرائيل بالتطهر من النكبة والكارثة؟
هم – أي العرب والمسلمين المتجنسين- يعتقدون أنهم لا ينتمون إلى هذا التاريخ، ومن ثم يجب أن لا يفرض عليهم الانخراط في الماضي الألماني، لكن المانيا المتطهرة من المحرقة ترى أنهم وقد أصبحوا ألمانا فإنه يجب عليهم أن ينخرطوا في الماضي الألماني وأن يتحملوا ما فيه من مسؤوليات لأن الجنسية الألمانية ليست مجانية. ان لها ثمناً كبيراً يجب على الحاصل عليها أن يدفعه كأي ألماني، وهو ما أطلق عليه " بالمأزق المزدوج للمهاجرين” وبخاصة للفلسطينيين والعرب والمسلمين.
لعل المس الذي أصاب المستشار الألماني شولتز في أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده مع السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، عندما ذكّر الألمان بان الفلسطينيين يتعرضون إلى خمسين محرقة كل يوم على يد إسرائيل، أوضح دليل على الحالة الألمانية اليهودية الصهيونية الإسرائيلية الجديدة. كما جُنّ الاتحاد الأوروبي من أقوال عباس فوصف تصريحاته بالكاذبة والمضللة بشكل صارخ وبمعاداة السامية. ووصلت حرارة تصريحات عباس البيت الأبيض فوصفها بالبغيضة والمعادية للسامية، وطلب من أبي مازن تقديم اعتذار فوري.
ضمن هذا النموذج يوجد "جوهر الألمانية المعاصرة " ذات الحساسية الشديدة جداً لمعاداة السامية. أي انه يجب على المهاجرين الذين تجنسوا تبني إرث الجناة النازيين. وعندما يفشلون في ذلك يُتخذ هذا الفشل كعلامة على أنهم لا ينتمون حقاً إلى المانيا الجديدة التي تعززت سمعتها كنموذج لمحاسبة الذات الوطنية والذي تجلى بالنصب التذكاري الضخم للضحايا اليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، المقام في وسط برلين.
مع أن تطهّر المانيا من المحرقة يثير الإعجاب الذي لا مثيل له عند غيرها من البلدان ذات الماضي المماثل في اضطهاد الشعوب المغلوبة على أمرها بالاستعمار أو بالإبادة كما في اميركا، إلا أن بعض النقاد يعتبرون هذا الالتزام المانيا الأحفاد بذكرى المحرقة مشروعاً نرجسياً له عواقب غريبة ومقلقة بالنسبة للمهاجرين. ويرى بعض الكتاب – في الافتتاحية – أن على اليهود بحضورهم الجسدي في المانيا أن يمثلوا الديمقراطية الألمانية الجديدة فيرد عليه آخر بأنهم قاموا بهذا الدور تماماً.
لكن هذا وذاك أدى إلى رد فعل الماني تمثل في انفجار المشاعر القومية الألمانية (الآرية) كما تنجلي في النجاح المقلق لحزب "البديل من أجل المانيا” الشعبوي اليميني بالفوز في عدد غير قليل من المقاعد في البرلمان الألماني عام 2017. وقد زاد من غلواء هذه المشاعر وازدياد العنف عند اليمين المتطرف تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط على ألمانيا سنة 2010 وما بعدها وجلهم عرب/ مسلمون، مما أدى إلى ممارسة العنف ضدهم لدرجة الدعوة إلى إبادتهم الكاملة مع غيرهم من الأعراق والثقافات الطارئة.
تمحور التعصب والقمع والاضطهاد في ألمانيا حول الجالية الفلسطينية الأكبر عدداً في أوروبا - التي يبلغ عدد أفرادها بمائة ألف - بمنعهم من التظاهر دعماً للأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل ومن إحياء ذكرى النكبة، أي ذكرى طردهم من وطنهم. وقد استهدف الاعتقال الذين كانوا يرتدون الكوفية الفلسطينية، أو يحملون العلم الفلسطيني.
لقد أصبحت المانيا ساحة معركة سياسية أساسية في الصراع حول ما تعنيه اليهودية الآن، وكيف سيؤثر ذلك على الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.
ترى مجلة تيارات يهودية المكرسة للحياة اليهودية، وللحرية الفلسطينية ولذكرى المحرقة، في الوضع الحالي للذاكرة الالمانية عملة ذات وجهين: من الملهاة والمأساة، فبعد إنكار المانيا الغربية للمحرقة بعد الحرب، وإذا بها تنقلب على نفسها وتعترف بأنها المسؤولة عنها، ويجب التكفير عنها.
يغطي الألمان هذا التحول العكسي المثير نحو التوبة بما سمي بعملية التصالح مع الماضي، الذي هو في الحقيقة المحور الجديد للهوية الوطنية الألمانية الليبرالية المتسامحة.
لقد أصبحت ذكرى الهولوكوست في المانيا العلامة لمعيارية سياسية جديدة: مجتمع السوق، والديمقراطية الليبرالية والدفاع (الانتقائي) عن حقوق الإنسان. والسبب ان الهولوكوست هو أكثر من مجرد حدث تاريخي مهم. إنه صدمة مقدّسة لا يمكن تلويثها بصدمات مدنّسة من الضحايا غير اليهود. ولعل هذا ما فكر به شولتز عندما انفجر معترضاً على كلام عباس بما معناه: كيف تقارن دم الفلسطينيين بدم اليهود؟ كيف؟ هل أنت مجنون؟ هؤلاء هم شعب الله المختار وأنتم شعب الله المحتار.
في خطاب مستشارة المانيا السابقة في الكنيست (2008) أعلنت "أن ضمان أمن إسرائيل هو جزء من ألمانيا”، وكأنه سبب وجود ألمانيا نفسها، "وإن المانيا موجودة لدعم الدولة اليهودية”. وبموجبه اعتبر البرلمان الألماني (2019) حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل بما في ذلك الهوية الفلسطينية نفسها في ألمانيا حركة معادية للسامية، وأن الجسم الجماعي الفلسطيني معادٍ للسامية وجودياً إلى ان يثبت العكس، بمعنى أنه أضرار جانبية للرغبة الألمانية المتزايدة في التطهر من معاداة السامية. بل وصل الأمر بها إلى اعتبار العرب والمسلمين وبخاصة الفلسطينيين، وكأنهم المسؤولون عن المحرقة.
على الرغم من ذلك لا نكف عن محبة المانيا كمثل اعلى في تجاوز هزيمتين عالميتين في الحربين العالميتين الأولى والثانية خلال ثلاثين سنة وفي نهوضها اقتصادياً وعلمياً وتقنياً وسياسياً في وقت قصير.
فمتى نرى أميركا تقوم في التطهر من أكبر جريمتين بالتاريخ وهما أبادة الهنود الحمر واستعباد الأفارقة، وإسرائيل بالتطهر من النكبة والكارثة؟