صحيح ان الجيش الاسرائيلي ما زال يعتبر من جيوش المنطقة ال ١٨ في التصنيف ولا يختلف اثنان على ان الولايات المتحدة الامريكية الداعم الاكبر لاسرائيل وجيشها وهي الضامن الدائم لتفوقه في المنطقة والمزود بلاحدود لقدراته القتالية، وصحيح ان الجيش الاسرائيلي لن يتخلى لحظة واحدة عن عدوانيته في مواجهة من يعتبرهم اعداءه، فهو معجون بثقافة الحقد والكراهية ضد شعوب المنطقة ومقاومتها ويطمح بابادتها ، ومع ذلك استطاعت شعوب المنطقة ترجمة ثقافة المقاومة عندها الى صمود في وجه اعتداءات هذا الجيش واحتضان المقاومة التي برعت في استنباط الوسائل كافة والتي رغم تواضعها قياسا بما يملكه جيش العدو استطاعت ان تكون ندا في ميدان القتال وثبتت المعادلات التي لم تكن بحسابات العدو من قواعد اشتباك وقواعد قتال وتوازن الرعب والقصف بالقصف والدم بالدم وأن العدوان ليس نزهة وله كلفة وثمن، حدث كل هذا وجيش العدو في ذروة قوته وتماسكه وابتعاده عن التجاذبات الحزبية والسياسية وانهماكه في الاعداد والتدريب واجراءالمناورات وتنظيم السيناريوهات الحربية وتنفيذ الاقتحامات والاعتداءات.
أما اليوم وقد انخرط الجيش بالصراع الحزبي والسياسي وانشغل بالصراعات الداخلية وتمددت ظاهرة العصيان عند ضباط وجنود الاحتياط خاصة في سلاح الجو والاستخبارات وهما عصب الجيش، هذه الظاهرة تقترب من الجيش النظامي والمؤسسة الامنية والشرطية بعد أن اصبح الجيش عرضة للانتقاد وصلت حد اتهامه من قبل رئيس الوزراء نتنياهو بالتحضير لانقلاب عسكري ضد الحكومة ولتنصيب حكومة أخرى، ممايعني عدم الثقة فيه، وتقسيم الجيش الى موالين ومعارضين، إضافة الى اتهام المدير التنفيذي لمنظمة "كسر الصمت" الاسرائيلية، قائد جيش الاحتلال بالتواطؤ في الهجمات الارهابية التي يشنها المستوطنون اليهود ضد القرى والبلدات الفلسطينية المحتلة، وهو بالاساس امتداد لنسيج اجتماعي غير منسجم وفي مرحلة التفكك، فالمجتمع الإسرائيلي مجتمع مهاجرين يهود جاؤوا من بلاد وثقافات عديدة لا يربطهم بعضهم ببعض سوى العداء للعرب ونيات قادة المشروع الصهيوني الذين أرادوا ترسيخ وجود إسرائيل بواسطة حقائق ديموغرافية على الأرض تتحقق بالطرد من جهة، وباستجلاب مهاجرين يهود من جهة أُخرى وهناك تقسيمات جغرافية وعرقية فاليهود الاشكناز من أصول غربية يعتبرون أنفسهم السادة على السفارديم من أصول شرقية وهناك قوانين وامتيازات تحكم الجغرافيا فتل أبيب تختلف عن بقية المناطق والمستوطنات ، وهم ليسوااستثناء في هذا العالم الذي شهد انقسامات وحروب أهلية، والعلامات الدالة على ذلك كثيرة وتزداد يوما بعد يوم.., وان حصل هذا فالشعب كله جيش ويقتني السلاح ولن تستطيع القيادة الحالية بتركيبتها المتناقضة ان توقف هذا التفكك او ان تضبط الميدان، لاسيما بعد انتفاء صفة جيش الدفاع عن الشعب والجامع لكل فئات المجتمع واصبح جيش الكتل السياسية والحزبية، وهو ما خلف شرخاعميقا لن تستطيع القيادتين السياسية والعسكرية ترميمه وهو ما سعى اليه رئيس الوزراء نتنياهو حينما دعا وزارة الدفاع والجيش عن الابتعاد عن الانخراط في الوضع الداخلي. نتنياهو الذي قال عنه رئيس المعارضة لابيد انه يقود حكومة تمزق الجيش والاقتصاد، وكان الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) نداف أرغمان قد أعرب عن خشيته من أن تؤدي القوانين التي دفع بها الائتلاف الحاكم تحت اسم "الإصلاحات القضائية" إلى حرب أهلية، واصفا التعديلات القضائية التي تعتزم الحكومة تمريرها بـ"تغيير للنظام"".
فاذا كان الجيش الاسرائيلي يعاني من نسبة استقالات وترك الخدمة في الماضي "حيث تبين أن عدد من ترك الخدمة في الاعوام الماضية أكثر من عدد المتجندين" ، فكيف سيكون عليه الحال الان وقد أعلن آلاف الجنود والضباط عن عزمهم على عدم الالتحاق بالخدمة مما يعيق تنفيذ البرامج التدريبية ويضعف القدرات والمهارات القتالية عند الجنود وسيؤثر على كفاءة الجيش وادائه الميداني، وسيزداد الوضع سوءا اذاما نفذت القيادة الدينية المتطرفة مخططها باستبدال الجنود المستنكفين عن الخدمة بالمستوطنين.
وهذا هو الانهيار الفعلي للجيش الاسرائيلي.
*خبير ومحلل عسكري