لا يختلف اثنان على أن المقاومة بشتى أشكالها هي الأداة والوسيلة الأكثر فاعلية لتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي، وربما لا وسيلة غيرها يمكن أن تحقق للشعب الفلسطيني أهدافه في صراع معقد ومتشعب وفيه أعداء كثر، بعضهم ظاهر للعيان وواضح والبعض الآخر مستتر لا يقل خطورة. ولكن، وبما أننا نتحدث عن المقاومة وبالذات في صراعنا مع العدو الصهيوني وداعميه، علينا أن نكون واضحين، أنه في مثل هذا الصراع الطويل للمقاومة أشكال عدة، منها المرغوب عاطفيا وحسيا، ويشفي الغليل، ألا وهو المقاومة المسلحة، وهي من دون شك الأهم كما أثبتت الكثير من تجارب الشعوب وحركات التحرر.
إلى جانب ذلك، هناك المقاومة الشعبية السلمية. وهي أيضا قد تم تجريبها وحققت نتائج، كما عندنا في الانتفاضة الأولى، وهناك تجربة غاندي في المقاومة السلمية، وهي مثال ساطع في كل العصور، قادت إلى استقلال الهند في نهاية المطاف، وفي الحالة الفلسطينية فإن أي عمل منظم من شأنه أن يعزز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه هو فعل مقاوم، على سبيل المثال توسيع رقعة الأرض المزروعة،
أن نبني المستشفيات ونطور الخدمات الصحية، أن نبني المدارس والجامعات ونطور التعليم هو فعل مقاوم، أن نكون منظمين ونخطط لخطواتنا جيدا، أن نكون متضامنين متكافلين نساند بعضنا البعض، أن نعزز الوعي الوطني ونعمق الإدراك بأهمية الهوية الوطنية، هو فعل مقاوم، أن تكون مدننا وقرانا نظيفة صحية، وأن نحافظ على البيئة، الجهود السياسية والدبلوماسية والإعلامية، كلها فعل مقاوم. لذلك لا يمكن اختزال المقاومة بشكل واحد وإنما هي عملية متكاملة منظمة ومخطط لها جيدا، إنه نمط حياة وقرار.
والمهم بهذا الشأن أن تكون المقاومة مكلفة للعدو ولا ترهق مجتمعنا وتزيده بؤسا وفقرا، كما هو الحال الذي انتهت إليه ثورة 1936- 1939.
موضوعنا هو المقاومة الأكثر جدوى ضمن الواقع الذي وصلنا إليه، بغض النظر عن الأسباب، وفي هذا السياق لا بد أن ندرك الحقائق التالية:
أولا: إن هناك ما يقارب من خمسة ملايين إنسان فلسطيني في الضفة والقطاع والقدس الشرقية، هؤلاء بحاحة لأن نعزز صمودهم عبر تقديم الخدمات الصحية والتعليم وأن يتمتعوا بمستوى حياة مقبولة. وهناك ما يقارب من 7 ملايين فلسطيني في الخارج، قسم كبير منهم لا يزال يعيش في مخيمات اللجوء في ظروف معيشية صعبة خاصة مخيمات لبنان وسوريا كيف يمكن أن نحشد طاقاتهم ونوحدهم حول الأهداف ذاتها.
ثانيا: جغرافيا الوطن المعقدة بسبب الفصل القائم بين الضفة وغزة، بحكم وجود إسرائيل، والازدحام السكاني الشديد في القطاع والأوضاع الاقتصادية الصعبة هناك.
ثالثا: وجود السلطة الوطنية الفلسطينية مسألة مهمة، بغض النظر عن موقفنا من بعض أوجه أدائها، لذلك إضعاف السلطة من الداخل الفلسطيني هو أمر خطير، فما نحتاجه تحسين أداء السلطة وليس هدمها.
رابعا: منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بغض النظر عن بعض التحفظات بشأن واقعها الراهن وهذا المبدأ يجب ألا يخضع لأي تشكيك، وإن أي عملية تفعيل لدور المنظمة يجب ألا يفهم منها بأنها إنقاص من مسألة تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني.
خامسا: عملية السلام بما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي متوقفة تماما، وضمن الواقع المرئي، وفي ظل حكومة إسرائيلية فاشية، لا أمل بتحريكها، هذا الواقع لا يعني أن ننسحب فورا من اتفاقيات أوسلو، لأن مثل هذا الانسحاب قد يدخلنا في واقع أكثر تعقيدا نحن غير مستعدين له أبدا.
على ضوء ذلك، يأتي السؤال كيف نجعل من مقاومتنا أكثر جدوى وأن تحقق أهدافنا الوطنية؟
في البداية علينا أن نتذكر أن المقاومة بحد ذاتها ليست هدفا، إنما هي وسيلة وأداة لتحقيق الأهداف، ومن يريد أن يجعل من المقاومة وكأنها هي الهدف إنما يريد أن يدخل الشعب الفلسطيني في حالة من الفوضى. وبالتأكيد أن مثل هذه الأطراف لها أجندات خارجية.
فالمقاومة وسيلة، وهناك العديد من الأشكال والوسائل لهذه المقاومة لا شكل بحد ذاته يمكن أن يؤدي وحده النتائج المرجوة.
في الواقع الفلسطيني كل أشكال المقاومة مطلوبة، ولكن بشرط أن تكون ضمن خطة، مقاومة منظمة تماما ومتفق عليها من الغالبية العظمى للشعب الفلسطيني. من وجهة نظري ونظرا لطبيعة الصراع مع الصهيونية، فإن التعليم هو سلاح المقاومة الأهم، ولكي يكون هذا السلاح فاعلا يجب إعادة النظر بالتعليم السائد الآن. لا بد من أن نمتلك رؤية أساسها الأسئلة التالية: أي إنسان فلسطيني نريد؟ أي مجتمع فلسطيني نريد؟ أي اقتصاد نريد في المستقبل؟ عندما نجيب على هذه الأسئلة الاستراتيجية وغيرها بشكل صحيح، تبدأ عملية التغيير والتطوير، فالمهم أن نمتلك إنسانا فلسطينيا معرفيا، يثق بعقله وقدرته على اتخاذ القرار، ويدرك جيدا هويته الوطنية والإنسانية.
بموازاة التعليم أن نمتلك جهازا صحيا معقولا وبنى تحتية صحية قادرة على تقديم الخدمات في مختلف الظروف.
أما عن المقاومة المباشرة للاحتلال الإسرائيلي، سواء كانت مسلحة أو سلمية أو كليهما معا، هناك مسألة حاسمة لا يمكن التنازل عنها، وهي أن يكون قرار هذه المقاومة بيد الشعب الفلسطيني وليس أي جهة خارجية، الشعب الفلسطيني وحده هو من يقرر شكل مقاومته وإيقاع هذه المقاومة في كل مرحلة، لا يمكن أن تبقى الساحة الفلسطينية غابة متروكة للتدخلات الخارجية، وهذا يتطلب أن نكون موحدين نمسك قرارنا الوطني بأنفسنا.
أن ما نحتاجة هو أن تدخل جميع الأطراف الفلسطينية بورشة إعادة تقيم جدية لكل المرحلة السابقة، وأن تناقش الأمور كلها بشفافية ووضوح ونلتزم جميعنا بالنتائج والتوصيات ضمن الواقع الفلسطيني، ولخدمة الشعب الفلسطيني وقضيته وليس لأي طرف خارجي.