من أجل فك اللغز او ما يبدو وكأنه لغز، نعود الى البداية منذ السنوات المبكرة لإنشاء الدولة الصهيونية وكيف اصبحت تشكّل في الواقع وفي فهمي السياسي المتواضع قاعدة عسكرية أميركية كبرى في المنطقة دون ان يُطلق عليها هذا الوصف صراحة ًولها هدفان؛ واحد معلن لحماية الدولة الجديدة بالسلاح والمناورات التدريبية المشتركة والمعونات المالية السخية، وآخر مُضمر لاستخدامها كمنصة انطلاق للتوسع الأميركي في هذا الجزء من العالم، بدءًا آنذاك بالحلول محل الاستعماريْن البريطاني في مصر وباقي بلاد المشرق العربي، والفرنسي في سوريا ولبنا? والمغرب العربي، لكن الغريب ان قناعة الكثيرين ظلت مبنية على ان العكس هو الصحيح اي ان الدولة اليهودية الصغيرة بخبثها ودهائها ومواطنيها المزدوجين تتمتع بنفوذ كبير لدى الدول الغربية يؤهلها للسيطرة على اقتصادها من خلال البنوك الكبرى التي ليس سرًا ان اليهود يستحوذون على نسبة كبيرة من أسهمها، ومبنية ايضاً على ان سياسة اميركا الدولة الكبرى في العالم لا توجهها مبادئ السوق الحر لخدمة التحالف الطبقي الرأسمالي «الأبيض» في البلدين والعالم، بل تقودها الأقلية اليهودية في الولايات المتحدة لمصلحة الدولة الصهيونية وحسب!
وبما له دلالة وعلاقة بالمغزى المستتر أذكر ان خلافًا حادًا نشب ذات يوم بعيد من تسعينات القرن الماضي في احد المحافل الدولية بين وزيري مالية الولايات المتحدة واسرائيل بعد ان ضاق الأول ذرعًا بإلحاح الثاني على طلب المعونات المالية الأميركية بشكل محرج امام الآخرين ولوّح بالرفض، فما كان من الاسرائيلي الا ان انفجر غاضبا في وجهه قائلًا انكم بالمليارات السنوية الثلاثة لا تسددون في الواقع الا جزءًا يسيرًا من أجور قاعدتكم العسكرية في بلدنا، ومنعًا للفضيحة الدبلوماسية وتداعياتها سارع المعنيون بالتغطية على ما حدث! واذكر?أني كتبت عنه يومذاك مقالًا لا أجد الان ضرورة لاستلاله من الأرشيف.
وبعد.. صحيح انني بهذا التحليل التبسيطي أغفلت عوامل عديدة تلعب أدوارًا متباينة الأهمية في العلاقات بين الدولتين الكبرى والصغرى، لكنني آثرت بدلًا من ذلك ان اذهب مباشرةً الى الحقائق المجردة، وعذري انني -بصراحة–اردت ان أزيح من الساحة نظرية المؤامرة بدهاليزها الغامضة الملتبسة، رغم استحضارها المغرض الفج، وان اواجه بالتفنيد والفضح والاستنكار رغبةً كامنة عند البعض في نَسْب «الخوارق» للعقل الاسرائيلي في كل ما تفعله هذه الدولة.. وتلك عقدة نقص لم تعد تليق!