في خضم ما تشهده الساحة الأردنية من تسارع في وتيرة تأسيس الأحزاب والذي يأتي استجابة لرغبة ملكية صادقة لتأسيس احزاب وطنية قادرة على احداث تحول ايجابي وجذري همها الأردن وطنا وشعبا ملتزمة بقضايا الوطن وحاجات مواطنيه وتطلعاتهم فقد تأسست احزاب واخرى على الطريق لكن الصورة الماثلة لألية تأسيسها لم تختلف كثيرا عما سبقها من احزاب قبل سن القانون الجديد الذي جاء وفقا لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية كي تكون شريكا حقيقا وفاعلا في صنع القرار الوطني والمفترض أن يقوم على المشاركة الشعبية الواسعة
غالبية الأحزاب الوليدة وكذلك التي توافقت أو صوبت أوضاعها تتشابه الى حد كبير في برامجها المعلنة وهي برامج فضفاضة وشكلية ومضامينها انشائية فيما تجاهل القائمون على تأسيسها أهمية منح الشباب فرص القيادة والتخطيط واطلاق المبادرات وكذلك وصول أخرين من عامة الناس ممن يتحلون بصفات القيادة والريادة حيث الهدف المقروء لغالبية القائمين على تأسيسها والذين اغلبهم ممن خدموا في السلك الوظيفي سابقا انهم يريدون ركوب الموج لأعادة تدوير انفسهم فعمدوا الى استقطاب رجال مال واعمال لديهم الرغبة بالوصول الى قبة البرلمان كما شهدنا في الدورات السابقة والذي يُعتبر مهما لتسيير أعمالهم ومصالحهم
يحضرني هنا مما تضمنه كتاب التكليف لثاني حكومة في عهد جلالة الملك بعد تسلمه سلطاته الدستورية والتي شكلها علي ابو الراغب وكان ذلك بتاريخ 19 / حزيران / 2000 حيث جاء
(إن الديمقراطية لا تكتمل إلا بالتعددية السياسية، وعلى ذلك فإننا نؤيد تشكيل الأحزاب الوطنية والانضمام إليها)
كذلك يحضرني ما قاله جلالة الملك في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الرابع عشر بتاريخ 1 / كانون الأول / 2003 حيث قال
(إن واجب القطاعات الشعبية، ومؤسسات المجتمع الأهلي، ومنابر الحوار والفكر، أن تستجيب إلى دعوتنا هذه بإخلاص، لتعمل على إحداث تحول إيجابي وجذري، في مسيرتنا الديمقراطية، عبر إطلاق حركة حزبية وطنية حقيقية، هاجسها الأردن أولاً وتستمد شرعية وجودها، من التزامها بقضايا الوطن، وحاجات الإنسان الأردني وتطلعاته، فنحن نؤمن أن وجود الأحزاب السياسية، ومن ضمنها أحزاب المعارضة الوطنية، أمر حيوي وضروري للدولة العصرية، ونحن نتطلع إلى اليوم الذي تكون فيه أحزاب المعارضة الوطنية المنتمية، شريكاً في صنع قرارنا الوطني(
ويحضرني ايضا مما قاله جلالة الملك في كتاب تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية حيث قال
إن التحديث والتطوير من سمات الدول والشعوب الحية، وشعبنا الأردني العزيز كان دوما في مقدمة الشعوب الطامحة للتقدم والأصلاح وإنني أشعر بالفخر بما أنجز بلدنا في مسيرته الطويلة، مثلما أشعر بواجب المسؤولية في مواصلة عملية التطوير لضمان حق الأردنيين والأردنيات في ممارسة حياة برلمانية وحزبية ترقى بديمقراطيتهم وحياتهم، وتسهم في تحقيق أمنياتهم، مع دخول الدولة مئويتها الثانية.
واضح مما تقدم ان نظرة جلالة الملك لمستقبل الأردن منذ أن تسلم سلطاته الدستورية ايمانه المطلق باهمية الأحزاب الوطنية للنهوض بالدولة الأردنية والذي يضمن تحمل الشعب بكافة مكوناته لمسؤولياتهم والذي تتيحه الأحزاب وها قد مضى من عمر الدولة أكثر من 23 عاما دون ان نتقدم خطوة على ارض الواقع نحو هذا الإتجاه فأين الخلل ؟
كان للاردن تجربة حزبية قد لا تختلف كثيرا عما نشهده الآن والذي تمثل بسيطرة قوى المتنفذين وقوة المال على احزاب تأسست باستقطاب العدد المطلوب لتأسيس الحزب على قاعدة (عد رجالك وأرد الماء ) وأغلبهم من الأقارب والمعارف والأصدقاء والمتنفعين حيث البرامج معدومة وقيادتها بمثابة اصحاب دكاكين وما عرف بحزب الشخص الواحد وما نخشاه ان تتكرر المأساة بصور واشكال اخرى
المشكلة بتقديري ليست بالقوانين والانظمة بل بمن يلجون دروب الحزبية دون خليفات تُعتبر اساسية ( القيادة والتخطيط والرؤى في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية ) فالنظرة الغالبة لإهدافهم التنفع والتكسب الا من رحم ربي وهم الأضعف بكل المقاييس وكم تمنيت الى جانب اتاحة الفرص أمامهم ليأخذوا فرصهم بقيادة احزابهم أن خرج علينا حزب واحد بخطوة عملية تؤكد نجاعته في التعامل مع قضايا الوطن واحتياجات مواطنيه فما نشهده في غالبه استعراض وتلاعب بالمفردات واستعطاف الناس للانظمام اليها ولكي لا نندم ولنخرج من بوتقة التجارب اقترح ان يتم تشكيل لجنة ملكية لتقييم ما تم بهذا الشأن منذ شرعنة مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وان يشمل التقييم واقع تشكيل وانطلاقة وفعالية الأحزاب القائمة
وحتى لا اظلم اتوقف عند حزب جديد قرأت مسودة نظامه الداخلي وعرفت العديد من القائمين على تأسيسه ( حزب نماء ) الذين استطاعوا خلال فترة قصيرة لم تتجاوز ثلاثة أشهر من استقطاب نحو عشرة الآف عضو من جميع محافظات المملكة ومن مختلف الفئات العمرية والمؤهلات العلمية والمجالات المهنية واعتقد ان ليس بينهم من يدعون انهم قامات وخلافه
رؤيته حزب نماء تتمثل في تمكين المجتمع الأردني لبناء اقتصاد وطني قوي بما يعزز المنعة السياسية للمملكة ورسالته شحذ الهمم وتكاتف الجهود على أساس المواطنة لتمكين المجتمع الأردني وتحقيق نهضته وفقا لقيم ثوابت الأمة متخندقين خلف ثابت واحد شامل وهو الحفاظ على الدولة الاردنية المستقلة والمستقرة باعتبارها منجزا لكل الأردنيين ومؤسسة العرش الهاشمي
وزاد اعجابي بحزب نماء ان القائمين على تأسيسه والى جانب سيرهم بخطوات اعلانه رسميا شرعوا بخطوات عملية للتفاعل مع أهم قضايا الوطن ( الفقر والبطالة ) مستندين على مفهومهم للمواطنة التي تعني تقديم الواجبات على الحقوق والمكتسبات حيث شرعوا بالإعداد لإطلاق منصات لتوفير فرص العمل للشباب والشابات مستثمرين طاقات الأعضاء لعمل قاعدة بيانات وللتشبيك مع العديد المؤسسات والشركات في داخل الوطن ولدى العديد من الدول الشقيقة والصديقة
بتقديري ان الحزب الذي سيتمكن من اثابت وجوده ودوره هو الذي يبدأ بالتعامل مع الهم المعيشي باعداد برامج لتطوير المنظومة الإقتصادية للقطاعات كافة على أساس علمي ومهني متدرجة عبر حزمة من البرامج المتسلسلة والتي غايتها تحقيق التنمية المستدامة وخلق المناخات الإستثمارية الجاذبة وتطويع التشريعات لتحقيق شراكة حقيقية وفاعلة بين القطاعين العام والخاص كما هو الأمر بالنسبة لحزب نماء وخلاف ذلك فهو مضيعة للوقت وهدر من عمر الدولة
الحزب الذي نريد
أخبار البلد - أخبار البلد-