الموضوع على جانب كبير من الحساسية، والفهم الخاطئ يمكن أن ينتج مشكلاته الخاصة التي ستوقعنا مع الوقت في جدالات لا طائل من ورائها، وربما تشكل فرصة للحض على مراجعة غير ضرورية لقانون الأحزاب، من باب (ادع ربك يبين لنا ما هي) والمتشابهات والتفاصيل التي وضحها الجدل الزائد في قصة البقرة، فالقانون يوفر الحصانة الواضحة بمنع التعرض لأي أردني أو مساءلته أو محاسبته بسبب انتمائه أو انتماء أي من أٌقاربه لحزب سياسي، مع إفراد مادة لطلبة التعليم العالي، والالتزام بذلك يشكل خطوة مهمة وجوهرية لإنجاح التجربة الحزبية.
في المقابل، سيكون الحديث مختلفاً من وجهة نظر الأحزاب التي تريد أن تسوق لبرامجها داخل الجامعات، وهذه مسألة على قدر كبير من الأهمية، ولكن لماذا داخل الجامعات؟ ألا تتوفر للأحزاب منصات كثيرة مثل مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب يمكن من خلالها إطلاق الكثير من الأنشطة.
في مقاربة الجامعات يجب التساؤل حول الأطر التنظيمية التي يمكن أن تحول دون ممارسة التحيز لحزب أو مجموعة أحزاب من قبل رئيس لجامعة أو عميد لشؤون الطلبة يتبنى أيديولوجية معينة، دينية أو ليبرالية أو يسارية أو قومية، والأدهى، وليس في الجامعات وحدها، أن يمارس الرؤساء على المرؤوسين ضغوطاً لينضووا في حزب يقدم مصلحة لهم.
وضع مخرجات التحديث السياسي والقوانين التي أنتجتها لإطلاق مسيرة الإصلاح السياسي يستدعي ازالة كل مايمكن ان يعيقها، وما يمكن أن يعيق خطة التحديث السياسي هو التوقعات العالية وافتراض ردود الفعل المثالية والمنطقية لأنها نادراً ما تحدث، ويفترض بالقائمين على الخطة ألا يفترضوا أنها ستحدث بصورة مواتية ومستمرة.
ما يتوفر لنا هو العمل على قبول فكرة التجربة والخطأ، والتعامل معها بسعة صدر، ولتجنب إلقاء اللوم على مسؤولي الجامعات الذين يفترض أن يقوموا بدور في تدعيم الحياة الحزبية بشكل عام بوصفها جزءاً من الممارسة السياسية، ويجب في نفس الوقت ألا يتحولوا ولو نتيجة الاندفاع بافتراض حسن النوايا، إلى مبشرين بأحزاب معينة، أو يتحملوا ايجابية حزب في الانفتاح على الجمهور أو سلبية آخر، فالمفترض أن يتحصلوا على دور من خلال المشاركة في التدريب وتبادل الأفكار والخبرات وإنضاج المقترحات لتصبح خطوات تنفيذية مع وجود الجانب التنسيقي والا?تشاري في رحلة ستستمر لسنوات.
لو كنت أستاذاً جامعياً لشجعت طلبتي على الانضمام لأحزاب سياسية، ولتجنبت في الوقت نفسه الحديث عن حزب معين أو توجه ما، فقط سأستعرض ما الذي يعنيه برنامج حزبي بالمجمل، وكيف يمكن قراءة برنامج معين، وبذلك أكون قمت بدوري الإرشادي، وهو مختلف عن أي دور توجيهي، والفرق اللغوي والتقني واضح بينهما.
توجد العديد من المؤسسات التي عملت طويلاً على بناء الوعي السياسي يمكن أن تعمل على ذلك داخل الجامعات، وبالتنسيق مع إداراتها الأكاديمية وضمن أسس تعاقدية واضحة، سواء مدفوعة أو طوعية، لتجنب الدخول في عملية التوجيه وما يمكن أن يترتب عليه من تحيز سياسي يصبح مدخلاً للنقد والتشكيك مستقبلاً.
كما، ويمكن لخطة إعلامية واضحة تتيح خارطة برامجية وصحفية من أجل الحديث عن العمل الحزبي ودوره السياسي والتنموي المأمول من غير التوجه للدعاية، ولكن يبدو أن كثيراً مما يقترح بخصوص الإعلام يتلقى أذناً غير منصتة، ورب مستمع والقلب في صمم.