أخبار البلد - خلال مؤتمر «دعم السودان» الذي نظمته الأمم المتحدة أول أمس/الاثنين في مدينة جنيف السويسرية, والذي لم يُسفر سوى عن «تعهّدات» لا تزيد قيمتها عن 1.5 مليار دولار, بافتراض أن المُتعهّدين سيلتزمون وعودهم ويترجمونها إلى أرقام حقيقية، وليس كما انتهت إليه مؤتمرات سابقة, لم يتردد مندوبو دول عديدة ومنها دول غربية كبرى في إعلان أرقام لافتة، لم تلبث أن أدارت ظهرها لتعهداتها وبقي المنكوبون في مستنقعات يأسهم وفقرهم وعوزهم.
في مؤتمر دعم السودان... الذي شاركت فيه دولة العدو الصهيوني «افتراضياً", عبر وزير خارجيتها رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق/إيلي كوهين, صاحب المقولة الشهيرة, بأنّ «السلام مقابل السلام هو أساس التطبيع مع السودان». وهو الذي قاد مسيرة التطبيع، كانت آخر زيارة له للسودان في شباط الماضي, أعلن كوهين أول أمس استعداد بلاده مساعدة السودان, مُشدِّداً على «التزام إسرائيل بتهدئة النفوس في البلاد, والعلاقة التي تتشكّل بين البلدين منذ زيارته للسودان, في إطار الجهود لتوسيع دائرة التطبيع ».. (وهو هنا إذا لم يقل شيئاً مفي?اً أو يقترب حتى من ذِكر أي «رقم نقدي» تستعد تل أبيب لتقديمه للخرطوم. مضى قُدماً في ثرثرته التي تقول كل شيئ لكنها لا تقول شيئاً في واقع الحال, على النحو التالي: «إن إسرائيل تقف إلى جانب السودان في هذه اللحظات الصعبة، نحن –أضافَ- نعمل حتى نكون شركاء (كاملين) في الازدهار والاستقرار الإقليمي، عن طريق المشاركة في (لجنة) هدفها تقديم الدعم الإنساني للسودان، سويّة –استطردَ- مع (قادة) يمثلون دولاً في المنطقة وخارجها. نحن –أردفَ- نواصل العمل بهدف توسيع دائرة التطبيع والسلام مع إسرائيل في المنطقة, وتعميق العلاقات مع ?لشراكات القائمة.
لم يتوقف رجل الاستخبارات الصهيوني عند هذا الكلام الدعائي المُروج للتطبيع والبعيد تماماً على الهدف الذي عُقد لأجله هذا المؤتمر, بل قال لمُستمعيه «عن بُعد» من بين أمور أخرى, أن إسرائيل مُستعدة لمساعدة السودان بـ"المعرفة والموارد» من أجل تحسين الوضع في السودان.
هذه هي إسرائيل التي عيّن لها الرئيس الأميركي بايدن مبعوثاُ خاصاً له لـ"شؤون التطبيع »، فيما أكّدَ أنه «لن» يُعين أي مبعوث خاص لـ"عملية السلام» في الشرق الأوسط، مُعتبراً كما قال حرفياً في تل أبيب عندما زار تل ابيب في إطار جولته الشرق أوسطية/تموز 2022 أن «حلّ الدولتين بعيد جداً عن التنفيذ أقلّه لعشر سنوات مُقبلات».
وإذ كانت واشنطن كما الاتحاد الأوروبي قد قدما بسخاء ملحوظ لأوكرانيا مساعدات مالية (دع عنك العسكرية) بعشرات بل مئات مليارات الدولارات, في إطار مساعيهما إلحاق «هزيمة استراتيجية» بروسيا، فإنّ «البُخل» الذي أبدياه إزاء السودان وشعبه المنكوب بطموحات الجنراليْن المُتصارعيْن على السلطة.. عبدالفتاح البرهان/ ومحمد حمدان دقلو/حميدتي, عكس من بين أمور أخرى نظرة الاستعلاء واللامبالاة في الوقت نفسه, لكل ما هو «غير أبيض", حتى لو كانت الدولة المعنية ساحة نفوذ وهيمنة ومجالاً حيوياً لأهدافهم التوسعية, وساحة من ساحات الهيمنة ?ي الصراع الجيوسياسي الدائر الآن بين القوى الكبرى.
لم تتبرع الولايات المتحدة في مؤتمر دعم السودان سوى بـ"171» مليون دولار, كما جاء على لسان «سامنثا باور» مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية, فيما تكرمت ألمانيا بـ"200 مليون دولار» لـ"السودان والمنطقة». وهي مبالغ لا تكفي لمساعدة مليون ونصف المليون نازح داخل السودان نفسه, فضلاً عن 350 ألف شخص فرّوا إلى دول الجوار بحثاً عن ملاذ آمن..
من هنا يجدر بجنرالي الصراع الدموي الآخذ في التحوّل إلى حرب أهلية شاملة، أن يُدققا جيداً بل أن يُعيدا النظر في مسار الهرولة المُتسارعة للتطبيع مع العدو, وأن يدركا أن الإحتماء بالعدو التاريخي للأُمَّة العربيّة مُجرّد وَهمٍ وسقوط في مستنقع التبعية, والمشاركة الفعلية في تمكين إسرائيل من السيطرة على المنطقة واستتباعها وكتابة جدول أعمالها, بدعم ومساعدة متعددة الأشكال والمقاربات مالياً وعسكرياً واستخبارياً وإعلامياً ودبلوماسياً من قبل الإمبراطورية الأميركية. التي/ واشنطن تكتفِ بإصدار البيانات التي تعبّر عن «القلق?والإنزعاج» إزاء الخطوات العملية لضمّ الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان فيها, وارتكاب المجازر والإعدامات الميدانية في مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية. وآخرها مدينة جنين ومخيمها. فضلاً عن فتور حماستها وغياب رغبتها بوضع حد للمواجهات بين قوات البرهان وحميدتي, والاكتفاء بترتيب «هُدنٍ» لساعات معدودات لا يتم الالتزام بها. فيما هي صمّمت على منع تفجّر الأحداث بين كوسوفو وصربيا على نحو سريع. لأنها لا تريد إندلاع حرب «ثانية» في أوروبا لكن لا بأس أن تكون في السودان وأي بلد عربي أو إفريقي آخر.