إنهم الطوارق الذين يسمون "أصحاب اللثام"، بجلابيبهم الزرقاء ومظهرهم المميز، وتاريخهم الطويل مع الصحراء بظروفها القاسية وامتداداتها التي لا تحد. يرتادونها ويجوبون أطرافها، من الشمال الإفريقي حتى الأدغال، منذ أن كانت إفريقيا، قارة غامضة لا يعرفها أحد.
لا يمكن أن تخطئ العين الطوارق بأزيائهم التقليدية، وبرجالهم الملثمين المهيبين. إنهم علامة فارقة للصحراء. عرق استوطن الصحراء الكبرى، وامتداداته توجد في المغرب والجزائر وليبيا، وفي دول جنوب الصحراء، وخاصة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وعلى الرغم من أن الطوارق ليسوا الشعب الوحيد في منطقة الصحراء الكبرى الذي يرتدي أفراده اللثام، وذلك لأن قبائل التبو المجاورة ترتديه هي الأخرى، لكنه غير ملزم لديها، فيما يعتبر بالنسبة للطوارق ثقافة راسخة، وأسلوب حياة. اللثام على الأرجح انتقل إلى عرق التبو من الطوارق.
الطوارق لا يتمسكون باللثام فقط لاتقاء غبار الصحراء وحماية وجوههم من لسعات ذراتها الحامية، بل هم يرتادونه حتى في الشمال حيث لا توجد مثل هذه العواصف الرملية القاسية.
اللافت أن نساء الطوارق فيما يتلفع رجالهن باللثام طيلة الوقت، يسرن بوجوه سافرة من دونه، ولا يغطين إلا شعورهن في الغالب.
نساء الطوارق يتمتعن بمكانة مرموقة وباحترام كبير، فحين يبلغ الفتى لديهم سن الرشد، يتلقى تقليديا هديتين - سيفا ولثاما يلف به رأسه ويغطي وجهه. ويكون فتى الطوارق ملزما منذ تلك اللحظة بأن لا يظهر منه إلا عيناه، حتى وهو في خيمته، وبين مضارب أهله.
يوجد العديد من الأساطير التي تفسر تمسك رجال الطوارق باللثام، على العكس من النساء.
تقول إحدى أساطيرهم، وهي تتحدث عن ظروف الحياة القاسية، والحرب والغزوات المتواصلة في العصور القديمة ، أن رجال الطوارق هزموا في إحدى المعارك، وحين عادوا إلى بيوتهم، قابلتهم النسوة قائلات: نحن نخجل من رؤيتكم، استروا وجوهكم عنا!
رواية أخرى لهذه الأسطورة تقول، إن الطوارق تعرضوا لغارة من الأعداء، وفشلوا في ردهم، وحينها هبت النساء وقاتلن الغزاة وتمكنّ من ردهم، فخجل رجال الطوارق وواروا وجوههم خلف اللثام، وإلى الأبد.
أسطورة أخرى، تتحدث عن الطوارق قبل اعتناقهم الإسلام. حينها كانوا يؤمنون بوجود أرواح مختلفة بعضها شرير. وبعد الزواج كان من العادة أن يمضي الرجل بعروسه للعيش مع أسرتها، لا العكس.
كان يعتقد أن الأرواح مختلفة، وأن تلك التي تعيش في مضارب أسرة الزوجة غريبة عن العريس، وهي قادرة على إيذائه بالتسلل إلى رأسه من الأنف أو الأذن.
ولاتقاء مثل هذه الشرور، قرر الرجال تغطية وجوههم بالكامل حتى حين يضطجعون للنوم، وبذلك قطعوا الطريق أمام الأرواح الشريرة للوصول إليهم.
البعد السحري لعادات وتقاليد الطوارق، مرده إلى اعتقادهم بأن الثقوب الموجودة على الوجه، في الأنف والأذنين، هي أبواب محتملة لدخول السحر والأرواح. وإذا تركتَ هذه "المنافذ" من دون غطاء، فقد تخرج قوتك ويكتسبها شخص آخر، أو تتسلل روح شريرة إليك وتتملكك.
علاوة على كل ذلك، يعطي اللثام للطوارق الوقورين دائما والمعتزين بشخصيتهم فرصة لعدم إظهار مشاعرهم، وأيضا لعدم فتح أفواههم والثرثرة، وقول ما لا يلزم.