أخبار البلد ــ كيف ستنعكس رؤية التحديث الاقتصادي على نوعية الحياة، وفرص الشباب، ومستقبلهم؟ ثم، كيف ستحقق الرؤية أهدافها الطموحة، في ظل متغيرات اقتصادية وتحركات سياسية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم؟ وهل ثمة فرق بين هذه الرؤية وسابقاتها من أجندات واستراتيجيات وخطط؟ تساؤلات مشروعة يطرحها الشباب اليوم، مع اتفاقهم –ولو ضمنياً- أن "مشكلتنا" في تنفيذ تلك الخطط وتفعيل القوانين والأنظمة ووضعها حيز التطبيق على أرض الواقع.
ولتسليط الضوء على حيثيات هذه الرؤية ومناقشة دورها في دعم الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، ولتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومحاربة البطالة، وتحسين ظروف العمل، ودعم الشباب ومبادراتهم الإنتاجية والاجتماعية، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الخميس 15 كانون الأول/ ديسمبر 2022، جلسة حوارية بعنوان "أين فرصة الشباب في رؤية التحديث الاقتصادي؟"، في إطار سلسلة جلسات حوارية تعقد ضمن منتدى التنمية البشرية والاقتصادية (هدف)، والذي يقع تحت مظلة مركز النهضة الفكري في منظمة (أرض) ويسعى للتعامل مع احتياجات النموذج التنموي القائم والفجوات الموجودة فيه من خلال إطلاق حوارات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدي، والمجتمعات كافة، والتركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية عبر إجراء دراسات متخصصة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية ونشرها لضمان معرفة الناس بها.
وحول ماهية رؤية التحديث الاقتصادي، أوضح الخبير الاقتصادي، د. رعد التل، الذي أدار الحوار مع الحضور، أنها تعتمد على ركيزتين رئيستين، هما: ركيزة النمو الاقتصادي (إطلاق كامل الإمكانات)، وركيزة جودة الحياة (النهوض بنوعية الحياة)، لافتاً إلى أن أكثر المشاكل التي تواجه الشارع الأردني، تتمثل بازدياد التعطل بين الشباب، حيث وصلت نسبة البطالة بينهم لأكثر من 48%. لافتاً إلى أن الاقتصاد الأردني يمر بكثير من التحديات؛ مثل قلة الاستثمارات وإدارة المال العام وقلة النمو الاقتصادي.
وبشأن كيفية انعكاس هذه الرؤية على فرص الشباب، اعتبر وزير الاستثمار الأسبق، مهند شحادة، أن البطالة بين الشباب ليست التحدي الأول الذي يواجه المملكة، باعتبار أن فقدان النمو الاقتصادي هو "علة" تحدياتنا في كل مناحي الحياة، موضحاً أن الرؤية تشتمل على 366 مبادرة في القطاعات المختلفة، وتندرج تحت 8 محركات للنمو الاقتصادي بهدف استيعاب تحدي توفير مليون فرصة عمل جديدة للأردنيين خلال العقد المقبل، من خلال تحديد محركات التشغيل والنمو الاقتصادي.
وبحسبه، يعتمد هذا المحرك على الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتركيز على استيعاب الشباب الأردنيين للانخراط في سوق العمل، مؤكداً على أن تحدي البطالة يحتاج إلى تغيير الخطط والسياسات التشغيلية وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، وبخلاف ذلك سنجد مزيداً من العاطلين عن العمل في انتظارنا.
أما بخصوص دور منظمات المجتمع المدني في الرؤية الاقتصادية، والفرص التي يمكن استثمارها لزيادة تحسين مشاركة الشباب والمرأة في المجتمع، شددت الخبيرة في السياسات البيئية والاقتصاد الأخضر، م. ربى الزعبي، على موضوع "الاستدامة في محركات النمو الاقتصادي"، لما لها تأثير في تحريك عجلة الاقتصاد الأردني، مشيرة إلى أن أمام الشباب والنساء فرص متعددة يستطيعون الوصول إليها واستغلالها، خاصة بما يتعلق بصناعة المياه والبيئة والاقتصاد الأخضر. واعتبرت الزعبي أننا لا نستطيع تحقيق هذه الاستدامة في الاقتصاد دون فهم الروابط المشتركة بين كافة القطاعات.
وفي ظل التعقيدات المناخية في العالم، وانعكاساتها على رفاه الشعوب والناس، تحدثت الباحثة في المعهد الدولي لإدارة المياه، مها الزعبي، حول تقاطعية العلاقة بين التحديات البيئية والمائية والزراعية والتغير المناخي، مع مشكلة انخفاض النمو الاقتصادي، حيث تركز الرؤية بشكل أساسي على تغيير النظرة حول ملف تغير المناخ والبيئة في المملكة ليكون أكثر إيجابية، عبر الاطلاع على الفرص التي يمكن توفيرها في هذا المجال، وصولاً إلى تحقيق التنمية الاقتصادية.
وفق كل ذلك الحديث، ماذا عن دور الشباب وفرصهم في تلك الرؤية، يقول المتحدثون، ثمة حاجة ملحة إلى اتخاذ قرارات جريئة وإرادة سياسية لإقامة مشاريع استثمارية وتنموية للحد من بطالة الشباب أولاً ولتحسين الاقتصاد من ناحية أخرى، وذلك، لا يتحقق، سوى بمزيد من الشراكات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتشريعات وأنظمة تحفز الاقتصاد على أرض الواقع.
واتفق المتحدثون، على أهمية التشبيك مع الطلبة الجامعيين والشباب لرفع وعيهم بما يتعلق باختيار التخصصات الجامعية، ليضمنوا مستقبلاً إيجاد فرص عمل تواكب التغيرات في سوق العمل، مع ضرورة رفع وبناء القدرات لديهم، والتركيز على الأبحاث العلمية والدراسات الإنسانية لفهم احتياجات الشباب وتحدياتهم.
ختاماً؛ فإن الحديث عن الشباب موجود ضمنا وتصريحاً في كل محور ومجال من مجالات الرؤية، حتى أنها ذكرت كلمة الشباب ثماني مرات، والكرة الآن في ملعبنا جميعاً لاستثمار تلك الفرصة وتحويل الرؤية لحقيقة وفعل وواقع ورفاه إنساني، مع التأكيد أن رغبة الشباب وطاقاتهم وشغفهم لا بد أن تحاط ببيئة اجتماعية ومؤسسية داعمة، فلا بد من مأسسة برامج التطوع والمسؤولية الاجتماعية وبناء المهارات والقدرات ضمن خطط عمل واضحة وفرص متكافئة.
تأتي سلسلة الحوارات هذه ضمن مشروع "صمم" والذي تنفذه المنظمة بدعم مادي من البرنامج الأوروبي الإقليمي للتنمية والحماية لدعم لبنان، الأردن والعراق (RDPP II)، وهو مبادرة أوروبية مشتركة بدعم من جمهورية التشيك، الدنمارك، الاتحاد الأوروبي، إيرلندا وسويسرا.