معوقات الحوار بين الثقافتين العربية والغربية

معوقات الحوار بين الثقافتين العربية والغربية
أخبار البلد -   أخبار البلد-

هل بإمكان أحد الادعاء أنه ليس لديه اهتمام بالشعب العربي؟ وفي الغالب تقع احداث لتثير هذا الاهتمام. وخلال آخر عقدين أو ثلاثة وقع العدد المتزايد من الأحداث حتى يخيل للمرء أن هذه الأحداث متداخلة في مسلسل مستمر. ومن يستطيع ايضاً أن يدعي أنه لم يرد على لسانه ذكر العرب في أحاديثه اليومية مع الناس المحيطين به. إن معظمنا تقريباً مستعدون لتكوين الآراء وإصدار الأحكام على العرب دون أن يتوفر لدينا كافة الحقائق الضرورية عنهم. ويعتقد الكثير من العرب أن كل ذلك هو جزء من قدرهم. ومن المستغرب أن الجهل العام فيما يخص العرب يتناسب تناسباً طردياً مع حدة النقاش واستمراريته بكل ما يتعلق بشؤونهم إذ كلما ازداد النقاش تنامت معه درجة الجهل.

بهذا الاقتباس يستهل المستشرق الفرنسي المعروف ماكسيم رودنسون Maxime Rodinson كتابه الذي يحمل عنوان (العرب) The Arabs (1901). تتأكد مصداقية كل ما جاء في الاقتباس بشكل ملحوظ في ردود الفعل في العالم الغربي تجاه العرب في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في اطار طبيعة العلاقة بين العرب والغرب في العهد الحديث، وفقاً لأفكار ماكسيم رودنسون، يمثل الهجوم على برجي التجارة في نيويورك أهم حدث اثار الاهتمام في الغرب تجاه العرب. في اعقاب هذا الهجوم تم عقد العديد من المؤتمرات والندوات لمناقشة أمور تتعلق بالثقافة والمجتمعات العربية بحثاً عن إيجاد طرق للنهوض بالحوار بين الثقافتين العربية والغربية إضافة إلى البحث عن سبل الحوار بين الديانتين الإسلامية والمسيحية. ولكن لسوء الحظ نجم عن كل ذلك ما يؤكد مصداقية العبارة الأخيرة في الاقتباس الذي أُستهل به هذا المقال، اعني العلاقة الطردية بين زيادة النقاش حول العرب وارتفاع درجة الجهل في طبيعة ثقافتهم وأساليب حياتهم ويتمثل ذلك بصورة جلية في الصاق مفهوم الإرهاب بالثقافة العربية الإسلامية بشكل منقطع النظير في التاريخ الحديث، ذلك على الرغم من الاهتمام الكبير بها ومحاولات التعرف عليها.

الجهل كما يبدو لكاتب هذا المقال يقوم بدور الحاضنة الرئيسية لإنتاج صور نمطية عن العرب في الغرب. وتمثل هذه الصورة النمطية للعرب في الثقافة الغربية احداهم المعوقات الرئيسة لإنجاز الحوار البناء بين العرب والغرب كأداة لتحسين التواصل والتفاهم المتبادل بينهما في الألفية الحالية. لا غرابة إذاً في أن يركز المؤتمر حول الحوار الثقافي الذي عقد في برشلونة عام 1995 على التخلص أو كيفية التخلص من الصور النمطية السائدة والمتبادلة بين الثقافتين العربية والغربية. وجدير بالذكر أن من اهم توصيات هذا المؤتمر كان اعداد ورقة بيضاء لحصر الصور النمطية على ضفتي البحر الأبيض المتوسط وتسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام تمهيداً لزيادة الوعي بها وبالتالي محاولة كسرها.

يذكرنا التركيز على أهمية دور الإعلام في محاربة الصور النمطية بين الثقافات المختلفة كما يشير الجزء الأخير في التوصية بأطروحة ادوارد سعيد الهامة في كتابة (تغطية الإسلام) covering Islam (1981) حول الدور الهام لوسائط الإعلام في نشر الصورة النمطية للإسلام في الغرب، مما يؤدي حتماً إلى إقامة العوائق الكبيرة لإجراء الحوار القائم على المعرفة الحقيقية المتبادلة. في تعليقه على حدة تكوين الصور النمطية عن العرب في الغرب يشير بهجت قوارتي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة إلى أن الصور النمطية للعرب في الغرب تتمثل في ست كلمات تبدأ بالحروف (B) باللغة الإنجليزية وهي: The bazar, the bely, dancer the Bedouin the backward, the bomber واخيراً butcher the، يتضح من ذلك شدة تجدر الصور النمطية عن العرب في الثقافة الغربية.

متأثرا بكتابات ادوارد سعيد عن دور الإعلام في الغرب في نشر وتعزيز الصور النمطية للعرب في الغرب يتناول الباحث كريم كريم في كتابه (الخطر الإسلامي) Islamic Peril: Media and Global Violence(2003)، دور الإعلام في كندا بصورة خاصة في نشر الصور النمطية السلبية للمسلمين والعرب في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر في الوقت الذي يقدم كريم تحقيقاً موثقاً بصورة دقيقة عن دور الإعلام في الصحافة الكندية حول رسم صور نمطية للعرب والمسلمين، فإنه يرى أنه لا بد من اتخاذ خطوات لكسر هذه الصور النمطية كخطوة أساسية لعقد حوار مثمر بين المجتمعات العربية والغربية: «إن التعميم وتعزيز الثنائية في تصوير المسلمين على أنهم متعصبون ومعتدلون، تقليديون وحداثيون، متدينون وعلمانيون يحول دون إجراء تواصل بناء بين الغرب والشرق، إن من شأن التمسك بهذه الثنائية النمطية في النظر إلى المسلمين أن يشير حفيظتهم ويقود إلى تبنيهم مواقف دفاعية حول معتقداتهم او تقوية اليأس لديهم من القيام بأي تفاعل لإقامة الحوار مع الأخر».

لا يقتصر رسم الصور النمطية في سياق العلاقة بين العرب والغرب على الصور النمطية للعرب لدى الغرب، فالعرب بدورهم لديهم صورهم النمطية عن الغرب التي تسهم بدورها في إعاقة قيام الحوار البناء بين الثقافتين العربية والغربية وتبرز هذه الصور النمطية من جانب العرب بصورة منهجية متكررة في العديد من الروايات العربية التي تعالج موضوع اللقاء بين الشرق والغرب في سياق ادبي. من أهم هذه الروايات رواية توفيق الحكيم (عصفور من الشرق) (1938) ورواية يحيى حقي (قنديل ام هاشم) (1944) ورواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» (1866) ورواية غالب حمزه أبو الفرج «سنوات الضياع» (1980) ورواية سهيل ادريس «الحي اللاتيني» (1985) في كل هذه الروايات نلتقي ببطل يقضي سنوات هامة من حياته «في الغرب وفي بريطانيا، أو فرنسا، أو أمريكا» حيث ينخرط في النظر إلى كافة أمور الحياة من خلال زاوية ثنائية عابرة للثقافتين العربية والغربية، وفي اغلب الأحيان يتوصل البطل إلى قناعة تامة بأن الثقافة الغربية أحادية الجانب حيث أنها تعلي من شأن البعد المادي في الحياة على حساب الأبعاد الروحية التي تتميز بها الثقافة العربية الإسلامية من وجهة نظر البطل. أما في المجال الثقافي وفقاً لما يراه هشام شرابي في مقال له يحمل عنوان «كيف نفهم الغرب» «How do we understand the west?» فإن فكرة تفوق الشرق على الغرب في الجوانب الروحية ترتبط بالتعصب الديني الإسلامي «» Islamic Fundamentalism، ويذهب شرابي إلى القول أن هذا التطرف الإسلامي حال دون تحقيق المصالحة بين الشرق والغرب وبالتالي تعذر قيام الحوار البناء بينهما.

في نفس السياق يشير المستعرب الشهير هاملتون جب Hamilton Gibb إن الفصل بين الثقافتين العربية والغربية استناداً إلى الثنائية التي تعزز التباين بين الثقافتين المادية والروحية يمثل عائقاً رئيساً يحول دون تحقيق التواصل وإقامة الحوار بين الثقافتين المتنافرتين. دعنا هنا نقتبس ما ورد في كتاب هاملتون جب حول الموضوع: Studies on the civilization of Islam (1962): «إن أهم عنصر في هذه القضية لا يتعلق بالمواقف الإسلامية تجاه الغرب فحسب، بل يشمل أيضاً النتائج الاجتماعية والثقافية في مجتمعاتهم نفسها... إذ ليس بإمكان القيم أن تبنى علاقة مع قيم أخرى مغايرة، إن الذين يدعون أن الحضارة الغربية يغلب عليها اعلان شأن القيم المادية يعيقون خططهم في دمج قيم الشرق الروحية وقيم الغرب المادية طبقاً لما يعتقدون».

تحظى قضية محاولة التزاوج بين الثقافتين العربية والغربية ذوات الأبعاد المتباينة كما اوضحنا في النقاش السابق، باهتمام خاص في رواية توفيق الحكيم آنفة الذكر عصفور من الشرق ولكن مجريات الاحداث في هذه الرواية تشير إلى العجز عن محاولة جسر الهوة بين الثقافتين، كما يتضح من الموقف الذي يجسده المهاجر الروسي ايفانوفتش الذي لا يخفى انبهاره الشديد بالأبعاد الروحية للثقافة العربية الإسلامية ونقده للحضارة الغربية لما يغلب عليها من هيمنة القيم المادية. في المقابل يبدي محسن بطل الرواية انجذابه وتعلقه بالحضارة الغربية لما تنطوي عليه من تقدم وتفوق علمي. في كتابه «الاستشراق» Orientalism (1978)، يؤكد أدوارد سعيد على وجود الصورة النمطية الإيجابية لدى العرب عن الغرب مرة أخرى في سياق ادبي تتمثل هذه الصورة النمطية الإيجابية عن الغرب في أوضح صورها في رواية ذو النون أيوب الدكتور إبراهيم فإذا اقتصر انبهار محسن بالحضارة الغربية على الاعجاب الفكري، فإن بطل رواية ذو النون أيوب يذهب إلى حد اعتناق الديانة المسيحية انسجاماً مع رغبته العارمة في الاندماج والتماشي مع الحضارة الغربية ومن الجدير بالذكر ان البطل يستخدم لقب gentleman تعبيراً عن ولعه الشديد بالثقافة الإنجليزية.

إن الانبهار بالثقافة الغربية عند العرب يتخذ طابع التبعية مما لا يسهم كثيراً في خلق البيئة والظروف المناسبة لإقامة الحوار البناء إن الاحساس بالتبعية تجاه الغرب في الثقافة العربية يمهد الطريق لتقبل فكرة المركزية الاثنية الغربية التي تقوم على إحساس الفرد الغربي بتفوق ثقافته الأم على الثقافات الأخرى خاصة الثقافة العربية. في كتابه (الاستشراق) آنف الذكر يؤكد ادوارد سعيد على أنه من الطبيعي أن يؤدي غياب التكافؤ بين الثقافتين وفق معطيات الاثنية الغربية إلى تعثر قيام الحوار المنشود. في نفس يشير ادوارد سعيد إلى أن المركزية الإثنية الأوروبية أسهمت في خلق الخطاب الاستشراقي الاستعلائي الذي يتسم بالنظرة الدونية لدى الغرب في التعامل مع الثقافات الأخرى خاصة الثقافة الشرقية.

هكذا فإن الأثينية المركزية الأوروبية Ethnic Eurocentrism تضيف عائقاً هاماً أخر إلى العوائق التي تقف في طريق إقامة الحوار بين الثقافة العربية والثقافة الغربية. وفي كتابه (الثقافة والاستعمار) (1994) Culture and Imperialism يزودنا ادوارد سعيد بنموذج آخر لدور المركزية الاثنية في الحؤول دون قيام حوار بناء في العلاقة بين الثقافة الإنجليزية والهندية حيث عمد الاستعمار الإنجليزي على توليد القناعة لدى الهنود بتفوق الحضارة الإنجليزية على حضارتهم على أسس اثنية. أسهمت سياسة الإنجليز في تعزيز مفهوم الهيمنة الثقافية الانجليزية على الثقافة الهندية في تأجيج الصراع بين الثقافتين وغياب التفاهم بينهما.

استناداً إلى التركيز على إرساء دعائم المركزية الاثنية الأوروبية ظهر ما يطلق عليه التراتبية الجنسية والحضارية، في هذا الإطار يذهب Jules Harmand أحد اشد المدافعين عن تفوق الاثنية الأوروبية على الاثنيات الأخرى Ethnic Hierarchy إلى القول:

"من الضروري قبول وجود مبدأ التراتبية الجنسية والحضارية، حيث أننا في الغرب ننتمي إلى عنصر جنس متفوق. من شأن ذلك أن يضفي الشرعية على استعمارنا للشعوب التي تحتل مرتبة دنيا في التراتبية الحضارية والجنسية مما يبرر التحكم بمقدراتها ومصائرها.

لا تخلو الثقافة العربية بدورها من تعزيز فكرة تفوق الاثنية العربية والشرقية كما نجد على سبيل المثال في رواية توفيق الحكيم عصفور من الشرق خاصة في ما يرد على لسان المهاجر الروسي ايفانوفتش. استناداً إلى اقوال ايفانوفتش يشير Paul Starkey على أنه يمكن قراءة رواية توفيق الحكيم على أنها وثيقة تهدف إلى الإعلاء من شأن الشرق على حساب الغرب مما يزيد بالطبع في خلق المزيد من العوائق في إقامة الحوار بين الثقافتين العربية والغربية. من ناحية أخرى، معبراً في ما يبدو عن وجهة نظر توفيق الحكيم فيما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الغرب والشرق يشير محسن إلى ان لكل حضارة عناصر تفوقها وضعفها، قد يسهم مثل هذا المفهوم في تمهيد الطريق نحو إقامة علاقات متكافئة بين الثقافات بصورة عامة وبالتالي خلق الظروف المناسبة لإقامة الحوار.

في كتابه The End of History and the Last Man (نهاية التاريخ والرجل الأخير) يطلق فوانسيس فيوكوياما (1992) على مفهوم الاعتراف بأن لكل ثقافة نقاط ضعفها وقوتها بما يسميه بالنسبية الثقافية Cultural Relatively وهو يرى في ذلك أداة فعالة لتيهيئة الظروف المواتية لخلق التواصل بين الثقافات المختلفة إضافة إلى المساهمة في إقامة الحوار المنشود. في ظل انتشار ظاهرة العولمة في العصر الحالي التي أدت إلى ازدياد وتيرة التداخل الثقافي على المستوى العالمي يرى فيوكوياما أن يصبح مبدأ النسبية الثقافية من الركائز الأساسية للتعليم في القرن الحادي والعشرين فقد ينجم عن التفاهم المتبادل عبر الثقافات إلى التسامح والتفاهم بين المعتقدات والديانات المتعددة مما يعزز بدوره من تسهيل سبل الحوار الثقافي وتصحيح المفاهيم المغلوطة المتبادلة بين الثقافتين فالإسلام على سبيل المثال يعد من أكثر الديانات التي تتعرض لسوء الفهم والتشويه مما يضيف إلى قائمة المعوقات التي تحول دون إجراء الحوار بين الثقافة العربية والغربية. في فعالة الذي يحمل عنوان «التاريخ والحادي عشر من سبتمبر» History and September 11 يقول فيوكوياما:

"إن العالم الإسلامي في الوقت الحاضر يختلف عن الثقافات الأخرى في جانب هام. في السنوات الأخيرة عمل العالم الإسلامي على انتاج عدة حركات متطرفة التي لا ترفض أساليب الحياة الغربية فحسب، بل انها ترفض ايضاً مفهوم الحداثة ذاته وكذلك التسامح الديني».

للرد على ما يذهب اليه فيوكوياما في هذا المقال خاصة في رفض الإسلام للتسامح الديني، دعنا نورد هنا ما ورد على لسان Bernard Lewis وهو من اشد الغلاة المعادين للإسلام والمسلمين في مقاله الذي يحمل عنوان «جذور الغضب الإسلامي» The Roots of Muslim Rage

يقول Bernard Lewis:

"أسهم الإسلام في تعليم الناس الذين ينتمون إلى اجناس ومعتقدات أخرى مختلفة للتعايش الأخوي والتسامح المتبادل بصورة معقولة. كان الإسلام مصدر الهام لحضارة عظيمة حيث عاش الأخرون جنباً إلى جنب مع المسلمين حياة تتسم بالإبداع والانجاز المتميزين اللذان أسهما في اثراء الحضارة الإنسانية بأسرها.

يستمد هذا الاقتباس أهميته ابراز عدة خصائص:

تميز الدين الإسلامي وهي التنوع، والتعددية، والتسامح. خصائص تحظى بأهمية كبيرة في إطار مساهمتها في تعزيز إقامة الحوار بين الثقافة العربية والغربية، فعلى الرغم من أن القرآن الكريم يركز بصورة جلية على أن الإسلام هو الحقيقة السماوية الوحيدة، ويتطلب الإيمان بالرسول على أنه خاتم الأنبياء، إلا أنه لا ينفي إمكانية وجود طرق أخرى لتحقيق الخلاص الروحي. في سورة البقرة آية رقم (62) «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».

ﱠ البقرة: ٦٢ وفي سورة المائدة آية رقم (48) تقرأ: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».

كما توضح هاتان الآيتان جميعاً فإن التنوع يحتل مكانة مركزية في الخطة السماويةDivine Scheme فالتنوع كما تشير الآية الثانية بصورة غير مباشرة ليس مدعاة للخلاف والصراع بل هو أداة لخلق التفاعل والتواصل بين الأمم على اختلاف شرائعها وعقائدها. ويذهب القرآن الكريم إلى أبعد من ذلك في الحض على أهمية التواصل والتقارب بين الأمم حين يشير بصورة واضحة إلى أهمية التقارب بين الأمم بغض النظر عن التباين في معتقداتها ودياناتها، ففي سورة الحجرات آية رقم (13) حيث يقول لله سبحانه وتعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

في كتاب (تعارف الحضارات) (1995) اعداد زكي الميلاد يشير محمد مراح إلى التعارف بين الحضارات كما ورد في القرآن الكريم (بالنظرية الرابعة) التي تمتاز عن حوار الحضارات، وتحالف الحضارات، وصدام الحضارات في أنها تنظر إلى تعارف الحضارات كمتطلباً أساسياً لقيام الحوار البناء الذي يستند على التفاهم المتبادل.

تنسجم الأفكار الرئيسية الواردة في الآيات آنفة الذكر مع ما جاء في مقال للفيلسوف الصيني المشهور تو ويمنج Tu Weiming في مقال يحمل عنوان (الكوفوشسيه والحضارة).

«فعلى الرغم من الانتصار الكبير الذي حققه التعصب في الديانات الرئيسية خاصة المسيحية، والبوذية، والإسلام فإن الطابع العام للديانات على الصعيد العالمي يتسم بالتنوع وليس التوحد...إن تعدد الديانات بصفته عاملاً أساسياً يميز روحانية القرن الحادي والعشرين، يتطلب أن تقوم الديانات المرتبطة بالاثنيات الدينية المختلفة الدخول في حوار بين الثقافات المختلفة لتحقيق المعرفة المتبادلة بصورة عامة».

يتعارض الطرح في هذا الاقتباس مع ما ذهب إليه Samuel Huntington حول حتمية الصراع بين الحضارات في عصر العولمة والتقدم التكنولوجي الذي حول العالم إلى قرية صغيرة، صحيح ان العالم يعاني في الوقت الحاضر من صراعات مأساوية في عدة أماكن ومن أهمها الصراع في فلسطين وكذلك الصراع الحالي في أوكرانيا إلا أنه على عكس ما يراه Huntington فإن أهم عنصر يغذي هذه الصراعات هو السياسية التي تمثل واحدة من العوائق للدخول في حوار وبناء الجسور الثقافية بين الأمم المختلفة، في مقال يحمل عنوان (الإسلام والغرب في عصر العولمة: صراع حضارات او تعايش سلمي)، تقول الباحثة هالة مصطفى:

"في الوقت الذي لا نقلل فيه من الصراع الديني بين الإسلام والغرب إلا أن ذلك لا يمثل السبب الوحيد لهذا الصراع، كما يرى Huntington هنالك عدة أسباب سياسية واقتصادية تغذي الصراع بين الشمال والجنوب، ويمثل الدين وعاءً فقط للتعبير عن المظالم السياسية والاقتصادية وليس هو السبب الكامن ورائها. بإمكان المرء ان يستشهد بعدة امثلة تؤكد بأن السياسة وليس الدين تمثل العنصر الرئيسي في تغذية الصراع العالمي. فعلى سبيل المثال كان العراق حليفاً قوياً للغرب، قبل غزوه للكويت مما اجج الصراع بينه وبين الغرب، ينطبق ذلك على العلاقة المتأزمة بين إيران والغرب في اعقاب ثورة الخميني بالمقارنة بالعلاقات الحميمة التي سادت بين إيران والغرب طوال فترة حكم شاه إيران قبل عام 1979. وتزودنا ايرلندا بمثال اخر على دخول عنصر السياسة كمعوق رئيسي لإقامة حوار. فخارج ايرلندا تسود علاقات انسجام بين اتباع المذاهب الكاثوليكية والبروتستانتية على عكس الصراع الدامي بين المذهبين في دبلن وبلفاست على خلفية سياسية. لإعطاء مثالاً حول دور السياسة في تغذية الصراع ووضع العراقيل أمام إقامة الحوار عاش اليهود والعرب في انسجام تام في كثير من البلدان العربية قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948 وذلك بالمقارنة بالصراع المرير بين اليهود والعرب في فلسطين على مدى ثمانية عصور حيث يمارس اليهود كل أنواع التمييز العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين.

يتضح من كل ما سبق أن خلق صور نمطية للأخر يعد أهم عوائق إقامة الحوار بين الثقافات المختلفة والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل بالإمكان تغيير الصور النمطية من اجل النهوض بالحوار بصورة عامة؟

هناك نموذجان تجدر الإشارة اليهما للإجابة على هذا السؤال وهما الحالة الصينية والحالة اليهودية لإثبات إمكانية تغيير الصورة النمطية. فقد كانت الصورة النمطية للصيني قبل ثورة ماوتسي تونج انه ليس بإمكانه فعل أي شيء جيد وتغيرت هذه الصورة لتصبح بأن الصيني إنسان لا يصدر عنه إلا كل شيء جيد. واما فيما يتعلق باليهودي فقبل تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 كان يشار إليه على أنه شخص بخيل ومكار وغير جدير بالثقة، لكن في الوقت الحاضر ينظر إلى اليهودي على أنه انسان مثابر، وذكي، ويتمتع بقدرات خارقة. لإضافة نموذج آخر، تشير لورا نادر أستاذة الدراسات البشرية في جامعة بيركلي في كاليفورنيا أن الصورة التقليدية النمطية الإيجابية للعرب في أمريكا تغيرت لتصبح صورة سلبية تظهر العربي على أنه شخص قاس، وضعيف، ومنحل ذلك بالمقارنة بصورته التقليدية في الثمانينات، ينظر إلى العرب على أنهم محاربون اشداء، وفرسان صحراء يتصفون بالإقدام والشجاعة والمروءة.

شريط الأخبار ملف السيارات المستأجرة في "الضمان الاجتماعي" أمام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد سائقو تطبيقات النقل الذكية يعتصمون أمام شركة "أوبر" الإثنين المقبل بعد توقيفه 4 أيام بسبب منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي.. إخلاء سبيل النقابي أحمد السعدي إدارة مكافحة المخدرات تتعامل مع ست قضايا نوعية للاتجار وتهريب المخدرات في مختلف مناطق المملكة وتلقي القبض خلالها على سبعة أشخاص أحدهم مصنف بالخطر بنك صفوة الإسلامي يعقد اجتماعي الهيئة العامة العادي وغير العادي للسنة المالية 2023 الأمن: القبض على سبعة أشخاص أحدهم مصنف بالخطير لماذا تراجع الاحتلال عن ضرب إيران.. وهل قادة الحرس الثوري يختبؤون تحت الأرض؟ توضيح من "المركزي" حول خصم التأمين بعد شطب مخالفات السير بقانون العفو شاب يقتل شقيقه بسبب (10) دنانير صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي وجمعية رجال الأعمال الأردنيين يبحثان سبل التعاون لتعزيز الاستثمارات الصفدي: إسرائيل تحاول قتل وكالة الأونروا “هيئة الاتصالات”: “إسرائيل” مصدر التشويش على نظام تحديد المواقع (GPS) التربية: أول امتحان تجريبي لطلبة التوجيهي في 8 أيار القادم استقرار أسعار الذهب محليا موسى الصبيحي يكتب .. حالة تستطيع فيها سحب اشتراكاتك من الضمان.! صعقة كهربائية من شركة مصطفى الشرباتي للكابلات المتحدة تكبدها خسارة (4) مليون دينار وفيات الأردن اليوم الخميس 18/4/2024 بعد انقطاع ثلاث سنوات.. انتخاب اتحاد طلبة الجامعة الأردنية 21/5/2024 تحذيرات من ارتفاع نسب الغبار في الأردن خلال الساعات القادمة انخفاض مساحات الأبنية المرخصة بنسبة 19.7%