دولة المملكة الأردنية الهاشمية ، دون غيرها من دول العالم لا تحتمل الخطأ ، خاصة في سياق هذا الوقت الذي فقدت فيه الصهيونية بوصلتها ، وتردي الحال السياسي ،القانوني، الأخلاقي والدولي الإسرائيلي ، ما يدفع بالكيان الصهيوني للتخبط في حمى البحث عن جهة يُصدّر إليها أزمته ، فتارة يناكف إيران ، وأخرى يستفز غزة وثالثا يكيد للأردن في سعي هستيري لشق المجتمع الأردني ، عبر ما يسمى الحقوق المنقوصة وأخرى زائدة ، الوطن البديل ، التوطين ، فك الإرتباط ،قانون الإنتخاب ، سحب الجنسيات ، التجنيس وغيرها من سموم تتدفق من خلال أجهزة الإعلام اليهودية ، التي تُدار بإشراف علماء نفساويين ، استطاعوا إلى حد كبير تحقيق أهدافهم ، بدليل ما نشهده من إرتفاع في وتيرة الحساسية تجاه التركيبة الديموغرافية في الأردن، ضمن ما هو محق وما هو غير محق عند طرفي المعادلة ، وبلغة أوضح ما تشهده ساحة الوطن الأردني من تجاذبات ، مناكفات وإتهامات متبادلة على خلفيات بعضها موضوعي وغالبيتها مُفتعل ، الأمر الذي يستوجب السؤال الأكبر عن مدى ثقة العُصابيين من أي طرف ، جهة ومنبت بالدولة الأردنية ونظام الحكم والملك ، والجواب على هذا السؤال دون غيره هو السبيل لإستظهار ما هو عليه الواقع الحالي ، وما سيكون عليه المستقبل .
- دعونا ولو لمرة واحدة نصدُق مع أنفسنا عن مدى ثقتنا بنظام الحكم ، عن الواقع الموضوعي الذي يحكم ويتحكم بعلاقة الدولة الأردنية بقضية فلسطين ، بدون أن نختزل فلسطين بما هو عليه المشهد الأردني تجاه الواقع الديموغرافي القائم في الأردن، إذ ليس بمقدور طرف أن يتجاهل الآخر ، يُقصيه أو يهمشه ،أما الدولة فليس بقدورها أن تنحاز لمواطن دون آخر أو تحابي موقف فيه إنتحار، لإرضاء طرف مرتفع الصوت أو مغامر ويتعمد الإستفزاز ،مأخوذا بهوس ناشئ وغير مدروس أو مبرمج لحسابات غير أردنية وليست فلسطينية ، لأن العُصابيين من أي طرف لا يرون أبعد من أنوفهم وأناهم ومصالحهم الآنية أو متطلبات الأجندات المُسخرين لتنفيذها ، وهو ما يدعونا الى تكرار القول ، إن المتعصبين الشوفينيين على أي نحو ، ديني ، مذهبي ، قومي ،عرقي ، جهوي وإقليمي تستحيل عُصابيتهم الى كوارث وحروب ودماء ، قد لا تتوقف عند جغرافيا محددة أو قطر بعينه .
- في منأى عن العواطف والأماني وبوعي وطني مطلق ، لا يخضع لحسابات جهوية ، إقليمية ، حزبية ، كتلوية ، حركية ، شخصية أو أجندات لا أردنية ولا فلسطينية سنورد جملة ملاحظات نراها أو نعتقدها ، دون أن نؤطرها في بند مسلمات ، على الأقل بمنطق النسبية وهي :
- من المعيب أن يتحول السجال حول الهم العام إلى مناكفة ، ثم مؤامرة وتخوين ، في الوقت الذي يجهد فيه الملك ، الدولة والحكومة لتأمين الأردن من تداعيات ما يُسمى الربيع العربي .
- وهذا قد لا يُرضي الكثيرين ،حين نقول إن إسرائيل ورُغم عدائها لكل بني البشر عامة وللأردنيين والفلسطينيين خاصة ، فهي أحرص من الجميع أن لا يُصبح الأردن وطنا للفلسطينيين ، ليس من باب حسن الأخلاق بل لأن مصالحها تتطلب ذلك ، إلا إذا سلمنا بما يروجه المأفونون بأن الفلسطيني يمكن أن يتخلى عن وطنه ، أرضه وعرضه في سبيل الرقم الوطني الأردني ...!
-لماذا هكذا نرى الموقف الإسرائيلي ...؟
،،،، إسرائيل كمولود من سفاح ، كحالة نشاز ستبقى مرعوبة ومحاصرة بالهاجس الأمني ، ونحن أوصلناها إلى ما هي عليه من عظمة وقوة بضعفنا ،ورغم ذلك تعمل من خلال قلقها ومن خلال شعورها الدائم أنها إلى زوال ، إن لم يكن بقدراتنا الكفاحية كأهل جنوب الديار الشامية ومعنا العرب والمسلمين ، فإن مصالح أمريكا والغرب مع يشهده الشرق الأوسط من متغيرات ، ستقتضي إن لم يكن التخلي عن إسرائيل فعلى الأقل تحجيمها ، أما الأهم فإن إسرائيل لن تسمح بنظام ووطن بديل في الأردن ، لتصبح حدودها الشرقية مفتوحة على المجهول وبلا ضوابط ، في الوقت الذي تعلم فيه إسرائيل أن الفلسطيني يولد بإسم الله وإسم فلسطين وكذلك يموت ، ينام جسده في عمان وروحه تحوم فوق القدس ، ويزداد الحرص الإسرائيلي على أن يبقى الحال في الأردن كما هو عليه ، لا بل أكثر من ذي قبل كنتاج لإزدياد مخاوف إسرائيل وحتى أمريكا من تفاعلات الربيع العربي ، الذي تعمل أمريكا بكل طاقتها على إحتوائه تحت جناحيها .
- يُلاحظ أن أكثر الناس هوسا بتشغيل هذه الأسطوانة المشروخة ، الوطن البديل ، المحاصصة ، التوطين والتجنيس ، هم أكثر الناس تخبطا في البحث عن هواجسهم إما إرضاءً لأنواتهم "جمع أنا" أو إرضاءً لأجندات ، من المؤكد أنها ليست أردنية ولا فلسطينية ، وإن إفترضنا حسن النية ، فحالهم كحال جحا < كذب وصدِّق كذبته> ثم ركض وراء الراكضين ، ليكتشف أن الوليمة عجوزا ميتة لا تجد من يواريها الثرى ...!
- وإن كان أحد أبرز العازفين على هذه النغمات ، وفي سياق بحثه عن قشة لإنقاذ النظام السوري ، ذهب بنا الى الهلال الخصيب ليعطي الفلسطينيين مواطنة كاملة ، ، فيتبدى السؤال للأردنيين ، بماذا يفسرون هكذا موقف...! ، حين تختفي فزاعة الهوية ، التوطين ، المحاصصة وغيرها في سبيل تسديد فاتورة لحساب نظام دموي ، وعلى حساب الشعب السوري الشقيق ...؟ ، وماذا عن مهووس آخر أصبح معارضا راديكاليا حين فشل في الحصول على وظيفة مستشار في رئاسة الوزراء ..؟
-وبعد ، إن إستمرار العزف على هذه الأنغام المقيتة ، لما فيها من عوامل إهانة بالدولة الأردنية ،وإستهانة بالقوات المسلحة ، الأجهزة الأمنية والمتقاعدين العسكريين كرديف ، وتشكيك بوطنية الشعب ،فإنها تفعيل لفتنة تسعى إليها إسرائيل بكل قوة . حمى الله الأردن والأردنيين من أدعياء الحرص الزائد ولا أقول المزيف .
نبيل عمرو- صحفي أردني
nabil_amro@hotmail.com