لا شك أن المتابع والباحث في الشأن الأردني تربكه الأحداث الجارية حيث يحتاج ربما لعلم الفلك لكي يتنبأ فيما يحدث وبقدر حيوية الشعب الأردني ونضاله المستمر المطالب بالإصلاح وحرصه على وطنه ، إلا أن السياسة الأردنية من أعلى مستوى تحتاج لتغير شامل حيث ثبت أن الإصلاح الذي ينادي به النظام لا يقصد منه إلا مخاطبة الخارج وليس الداخل الذي يأتي في آخر أولويات النظام ، والدليل القاطع على ذلك أنه يستخدم نفس أدوات الماضي وما يسمى بالمرحلة العرفية لكي يقودوا مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي ، فهل الحكومات الأردنية المتعاقبة منذ هبة نيسان المجيدة عام 1989م، حكومات إصلاح ، الم يخرج الرفاعي الأب أو الأول لكي يأتينا الرفاعي الثاني الأكثر فسادا والباقيين لا يختلفوا فسادا عن سابقيهم بل وتفوقوا عليهم ببيع مؤسسات الوطن الناجحة قبل الفاشلة ، وأتساءل ماذا يفعل كبار المسئولين الأردنيين في قبلتهم الأولى واشنطن لكي يذهبوا لزيارتها والتبارك بتعليمات البيت الأسود لأنه مصدر بقاءهم وشرعيتهم التي لم يعد لها وجود الى في الأغاني الهابطة إياها .
الإصلاح لا يصنعه إلا المصلحون الحقيقيون وليس العصابات التي يتم استئجارها لإثارة الفتن والقلاقل ولضرب المطالبين بالإصلاح والتغير السلمي ، فهل يوجد في التاريخ بلدا يصبح مجلس النواب كما يسمونه سلطة تنفيذية أكثر من السلطة التنفيذية ذاتها وهل يوجد حكومة تعمل مثل العصابات لتضرب الشارع المطالب بالإصلاح السلمي ببعض المرتزقة والمارقين وأصحاب السوابق لكي تحاول إفراغ الإصلاح من مضمونه الوطني والقومي وجعل المواطن العادي يكفر بالوطن قبل الإصلاح .
ماذا نسمي تغّول السلطة الأمنية وتدخلها السافر في كل شؤون الوطن حتى بتعيين حارس ليلي وقد أصبحت دولة داخل الدولة ، ماذا نقول عن مدير جهاز أمني سابق يقول بنوع من التباهي والفخر على حساب الوطن ، أن أسماء النواب الجدد في جيبه قبل الانتخابات وكذلك الوزراء أليس من حقنا بعد ذلك أن نسأل من يحكم الأردن غير الفساد والاستبداد وأقول لكل من يطالب بالإصلاح علينا أولا وقبل كل شيء استرداد كل أراضي الدولة التي باعها المغامرون ومؤسسات الوطن التي تم بيعها وعلى رأسها مؤسسة الموانئ التي هي رئة الوطن على العالم الخارجي والفوسفات والبوتاس والكهرباء والمياه والاتصالات والأراضي التي استولى عليها المتنفذون وغيرها الكثير .
نحن بحاجة لنظام يعيد تأميم كل أراضي الوطن ومؤسساته التي نهبها الفاسدون وباعوها لتسديد فواتير الفساد والمغامرات على حساب الشعب الكادح ، مؤخرا قام بعض المزارعين الأردنيين بإتلاف كميات كبيرة من منتجات البندورة وذلك بسبب نزول سعرها وتكبدهم خسائر جسيمة ، ترى من يعوض هؤلاء الجنود المجهولين الذين لا يزالوا يبشرون أننا قادرون على الإنتاج والعطاء وليس الاستهلاك فقط والسبب في كل ذلك قيام جهاز متنفذ بالاعتداء على أراضي الدولة واصطلاح أفضلها لينشأ عليها مزارع التي تصدر للصهاينة في فلسطين المحتلة والخليج العربي المحتل لا فرق أفضل المنتجات التي يعود رعيها لتسمين الحيتان والقطط السمان في ذلك الجهاز ، تلك القطط التي لا تشبع ولا تكتفي أبدا .
عن أي إصلاح يطالب البعض والأردن أصبح نقطة للتدخل السافر في شؤون الأشقاء لحساب الاستعمار وأعوانه ، انظروا وتأملوا معي أمريكا الصهيونية عندما احتلت العراق الذي كان أكبر داعما للأردن أرسلت المرتزقة والقتلة الذين جاءوا مع الاحتلال لتدريبهم في الأردن كشرطة ، والوضع العراقي اليوم يتحدث عن نفسه ولا يحتاج لتعليق ، وبالأمس تناقلت وسائل الإعلام أخبارا عن تدريب عشرة الآف من المرتزقة الليبيين في الأردن ليقوموا كوكلاء للناتو بقمع الشعب الليبي كلما ثار على المرتزقة والعملاء بعد غزو ليبيا واحتلالها وإعدام قيادتها الشرعية وعلى رأسهم الشهيد العقيد معمر ألقذافي ، ناهيك عن تدريب شرطة عباس اليقظ الحساس الذي لا يزال يفاوض ويتسول لأجل سلطة ولو كانت بحجم حبة الأسبرين يجود بها العدو وعندما يوجعه رأسه يأكلها ، كما قال شاعر العرب العظيم نزار قباني في قصيدته الرائعة المهرولون التي كتبها بعد اتفاقية العار في أوسلو عام 1993م ، فهل هذا دور الأردن الذي يحدثنا عنه المهرولون لواشنطن وتل الربيع ، ولذلك الإصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن لا يزال بعيدا ويحتاج لنضال طويل لا يقل أهمية عن نضال الخمسينات والستينات الذي ألغى المعاهدة الأردنية مع بريطانيا وطرد المستعمر البريطاني كلوب وأجبر النظام على رفض حلف بغداد وتركيا ، صحيح أن الظروف اختلفت وفي ذلك الوقت كان هناك الزعيم العربي جمال عبد الناصر الذي طرد الاستعمار من كل الوطن العربي ولكن خلفاءه للأسف خانوا الأمانة واليوم وبعد ثورة 25 يناير المباركة التي أسقطت نظام الخيانة في مصر السادات مبارك نجد الأردن الرسمي يقوم بدور السادات مبارك في كامب ديفيد حيث أصبح عراب ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد وفرض الاستلام الذي يسمونه سلاما على خيار المقاومة والممانعة ، انظروا للمفاوضات العبثية في عمان بين عباس والصهاينة ، فهل هذا هو دور الأردن الذي كان وسيبقى كبيرا بشعبه وبأمته رغم أنف الحاقدين والعملاء .
عبد الهادي الراجح
alrajeh66@yahoo.com