إن صحّت الدراسة التي تقول إنّ القطاع الصحي في المملكة يهدر ما يقارب 250 مليون دينار على الأدوية و250 مليون دينار أخرى على المستلزمات الطبيّة الأخرى وبواقع 500 مليون دينار بشكل مباشر أمر لا بد من أن نتوقف عنده لمعرفة الأسباب ومن المسؤول وكذلك وضع الحلول لوقف هذا الهدر الكبير.
الدراسة التي أجرتها جماعة «حوارات عمان» وأعلن عنها مؤخرًا، لم تبين ما إذا كان هذا الهدر موجوداً في مستشفيات القطاع الخاص أو في مستشفيات القطاع العام ومراكزها الموزعة في مختلف المحافظات، وتركت لنا التحليل والبحث عن المتسبب والأسباب التي تؤدي وتدفع القطاع الصحي إلى هدر تلك المبالغ الضخمة دون حسيب أو رقيب من قبل مختلف الجهات، وكما أنها كشفت عن الهدر في الأدوية والمستلزمات الطبيّة بشكل مباشر، بينما لم تعلن عن قيمة الهدر غير المباشر وقيمته في القطاع.
المبالغ المذكورة في الدراسة ضخمة وإذا ما احتسبناها على عشر سنوات تبين أن القطاع الصحي أهدر ما يقارب 5 مليارات دينار وهذا مبلغ كبير ويعتبر فساداً إدارياً يتكرر في كل عام، متسبباً في إبطاء تطوير القطاع والذي أصبح بأمسّ الحاجة اليوم إلى مراجعة شاملة تشمل كافة الخدمات المقدمة وتدرس إليه تحسين جودتها وخاصة بعدما زادت حالة التّذمر من المراجعين والتي بتنا نسمعها في كل يوم، وذلك من خلال الإسراع في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي التي رسمت خارطة طريق لتفادي المزيد من التراجع وتعزّز نمو مؤشرات القطاع الذي يعتبر من أهم ?لقطاعات جذبًا للاستثمار والسياحة العلاجية في المملكة.
الهدر في هذا القطاع يستنزف في كل عام ما نسبته 8% من الناتج المحلي الإجمالي وزادت قيمة الانفاق عليه دون تحسّن في جودة الخدمات، الأمر الذي يجعل من ارتفاع نسب الهدر والاستنزاف أمراً مرشّحاً خلال الأعوام المقبلة ما لم تسارع الجهات المختصة في وضع ضوابط جديدة ومحكمة لتفادي هذا الهدر وتحويل تلك الأموال التي تهدر في اتجاه خدمة القطاع وتطويره ليلمس المواطنون والقادمون إلى الممكلة جودة الخدمات الطبية المقدمة للمستفيدين منها والمنتفعين سواء في القطاع الخاص أو العام.
ومن هنا إذا كان الهدر في القطاع الخاص موجوداً نتيجة غياب الضمير لدى القلة الذين يقومون بصرف أدوية غير مستحقّة لبعض المراجعين للاستفادة من قيمة تغطية التأمين الصحي سواء كان حكومياً أو خاصاً، فلا بد من وضع عقوبات رادعة لهؤلاء، وأما إذا ما كان الهدر من قبل القطاع العام وهنا أجزم أن ثلثي الهدر يأتي منها فلا بد من معاقبة المتسببين وتفعيل الرقابة على الصيدليّات التابعة للدولة لضبط الهدر وذلك لأن القطاع الخاص إن أهدر يستفيد بينما القطاع العام إذا أهدر تخسر الموازنة أموالًا طائلة تزيد من عجزها وضعفها وتساهم في ترا?ع الخدمات المقدمة، وذلك إما باتباع النظام المطبّق من قبل القطاع الخاص في الرقابة على الأدوية المصروفة وجردها بشكل دوري أو من خلال تخصيص القطاع وهذا أسلم الحلول.
أحيانا كثيرة تهاجم الخصخصة وتتهم بما فيها وما ليس فيها، رغم أنها حققت نجاحات كثيرة في الكثير من القطاعات واستفاد المواطنون من جودة الخدمات المقدمة، فلماذا نرفض خصخصة القطاع الصحي ما دام المواطنون سيتحمّلون نفس النسب الحالية في المراجعات الطبية لهم وتتحمل الحكومة إعطاء القطاع الخاص ما تنفقه حالياً على الصّحة لضمان غياب الهدر وتحسين الجودة وتتخذ دور الإشراف والرقابة على خدماتها وبذلك تكون قد أوقفت كل أشكال الهدر الناتج عن الواسطة والمحسوبية وغياب الضمير.