أخبار البلد- فهد الخيطان- في السجال الذي دار طوال العام الماضي وما يزال مستمرا حول الحاجة لتسريع عملية الإصلاح السياسي في البلاد، كانت أوساط في المعارضة والنخب السياسية تحمّل مؤسسة العرش المسؤولية عن تعطيل الإصلاحات، وما يقال عن ترددها في اتخاذ الخطوات المطلوبة لدفع العملية إلى الأمام بما يلبي مطالب الشارع المحتقن.لكن نظرة متفحصة للمشهد تعطي نتائج مغايرة تماما لهذه الانطباعات. إذ يظهر، وبشكل جلي، أن الملك كان المحرك لكل خطوة إصلاحية، وبأن الحكومات والمراكز المؤثرة في صناعة القرار هي من تولى تعطيلها. وإذا كان هناك من مأخذ على موقف مؤسسة العرش، فهو في نظر البعض عدم ممارستها الضغط الكافي على الحكومات لتنفيذ أجندة الإصلاح.دعونا هنا نجري مقاربة للوقائع لنتأكد من صحة الاستنتاج السابق.بعد أسابيع على هبوب رياح التغيير في العالم العربي، وجه الملك الحكومة لتشكيل لجنة للحوار الوطني ضمت في صفوفها مختلف الأطياف السياسية، باستثناء الحركة الإسلامية التي أصرت على مقاطعة الحوار. وعهد إلى تلك اللجنة وضع مشروع قانوني الانتخاب والأحزاب، بالإضافة إلى التوافق على المبادئ الأساسية للعمل السياسي في البلاد. كما اقترحت اللجنة تعديلات جوهرية على الدستور الأردني، وتبنت إصدار قانون الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات وإدارتها. وتمكنت اللجنة، بعد حوارات سياسية وميدانية شملت جميع المحافظات، من إنجاز المهمة. وتعهد الملك في حينه باحترام توصياتها وتحويل مقترحاتها بشأن قوانين الإصلاح إلى خطوات تنفيذية. تسلمت الحكومة السابقة مخرجات اللجنة، وظهرت في وقت مبكر بوادر على نيتها عدم الالتزام بجوهر الإصلاحات المقترحة. لكن للإنصاف، شرعت في وضع مسودة متقدمة لقانون الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات. وتسلمت حكومة عون الخصاونة الملف ووضعته على الرف. وبعد طول جدل، أعلن رئيس الوزراء أنه غير ملزم بتوصيات لجنة الحوار ولا بتعهدات الملك، وسيأخذ وقته لإنجاز التشريعات بدون الالتفات إلى توصيات اللجنة.من برأيكم يعطل الإصلاح في هذه الحالة، الحكومة أم الملك؟قبل الربيع العربي، كانت الدعوات لتعديل الدستور الأردني محصورة في دائرة ضيقة من النخب السياسية، ولم يكن لأحد أن يتجرأ على الإشارة للموضوع في وسائل الإعلام. بعد الربيع العربي، صار تعديل الدستور مطلبا شعبيا يحظى بدعم قطاعات واسعة، ويجري الحوار حوله في وسائل الإعلام. معظم الشخصيات السياسية المحسوبة على الدولة عارضت الدعوة، لكن الملك تجاهل نصيحتهم، وانحاز إلى مطالب الشعب، وشكل لجنة ملكية لمراجعة الدستور اعترف الجميع أنها استجابت في تعديلاتها لأغلب مطالب المعارضة. وبينما كان الملك يصرح في لقاءاته الرسمية بأن الباب ليس مغلقا على تعديل الدستور مرة أخرى لتطوير الحياة السياسية والبرلمانية، كان رئيس الحكومة – ويا لها من مفارقة- غير راض عنها لأنها تقيد صلاحياته!لم يكن الهدف من تعديل الدستور تنفيس الاحتقان في الشارع، أو شراء الوقت، وإلا لما أقدم الملك على تغيير ثلاث حكومات في أقل من سنة، وإنما تهيئة البيئة التشريعية لتطبيق خطة عاجلة للإصلاح السياسي تبدأ بإنجاز قانوني الانتخاب والهيئة المستقلة، وتتوج بانتخابات نيابية مبكرة قبل نهاية العام الحالي. وقد صرح الملك بالموعد أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية في موقف ينسجم مع رأي التيار الغالب في الشارع، بما يمهد الطريق لولادة حكومة أغلبية برلمانية بعد الانتخابات، أي قبل نهاية العام الحالي. هل هناك خطة أسرع من ذلك للإصلاح؟ لكن من يعطل هذا المسعى اليوم، الحكومة أم الملك؟ أعتقد أن الجواب معروف عندكم.ليس مهما اليوم البحث في دوافع الملك لإطلاق عملية سريعة للإصلاحات؛ القناعة بالحاجة الموضوعية للتحديث أم ثورات الشعوب العربية. المهم أن العملية انطلقت، وكل خطوة ناجحة ارتبطت بدور قيادي ومباشر للملك في العملية، وبخلاف ذلك تعطيل وتسويف لا نعدم شواهده في الحكومة والبرلمان.fahed.khitan@alghad.jo
من يعطل الإصلاح.. الملك أم الحكومات؟

أخبار البلد -