ها قد حطت الرحال من جديد.. و اختتم طلابنا امتحانات الثانوية العامة.. للسنة الدراسية الحالية بعد عام دراسي أنهك قواهم وقدموا فيه ما استطاعوا من جهد جهيد.. فمنهم من يعتقد أنه أبدع و منهم من يتوجس خيفة أنه لم يجتز كما يجب.. صراع محتدم مستمر ما بين العقل والقلب.. مع كم هائل من الضغوطات النفسية.. العائلية والمجتمعية تجسد سيناريو متكرر في كل عام على نفس النسق والوتيرة النمطية.. لكن إلى متى؟..
إن التربية والتعليم هي المفتاح الأساسي وبداية المسير لأي عمليات إصلاح وتطوير للمجتمعات والدول تحقيقاً لنموها وازدهارها بما يواكب مسيرة التقدم والتطور العالمي في كافة المجالات الثقافية.. المجتمعية الاقتصادية والسياسية.. فالتعليم هو قاعدة الهرم الأساسية التي يقوم عليها البنيان... الانجاز والنمو المستدام... فلا إصلاح حقيقي ولا تغيير جذريا ايجابيا فعالا إن لم يبدأ بالتعليم ومن مراحله الأولى الأساسية التي تُكون الركائز المتينة لبناء شخصيات سوية فاعلة فعالة ذات بعد معرفي وفكري متطور يُنشئ مجتمعا مستقبليا متفوقا ومبدعا.. لكن للأسف ما زال أمامنا الكثير من المعيقات.. الصعوبات والتحديات الذاتية التي تخلق أحياناً بلا داع وتعيق التحديث الحقيقي للمنظومة التربوية التعليمية وتطويرها بما يتماشى مع المتطلبات الحقيقية المعاصرة.
فما زال الهدف المحوري في العملية التعليمية هو تخطي المراحل الدراسية وصولا لشهادة الثانوية العامة والتي ما زالت تعتبر العلامة الفارقة والمعيار التقييمي لقدرات الطلاب تفوقهم وانجازهم والحد الفيصل في اتمام مسيرتهم التعليمية والجامعية مما جعل (شبح التوجيهي) هاجسا مقلقا يقتات على البعد النفسي للطلاب وذويهم بشكل سنوي وبتزايد مستمر خاصة مع التضخيم والمتابعة الإعلامية المصاحبة لهذه الامتحانات و نقل وقائعها كأحداث إخبارية تثير الكثير من الجدل.. السلبية والنقاشات العقيمة في أغلب الأحيان.
السؤال الذي يطرح نفسه بكل شفافية لماذا امتحانات الثانوية العامة بهذه الصعوبة؟ لماذا تشكل الامتحانات هذه الضغوطات العصبية والنفسية لكل من يبدأ في مرحلتها؟ هل الخلل في الطلاب و أيدولوجية المجتمع؟ أم الخلل في المناهج التعليمية التي تقوم على مبدأ الاستظهار والحفظ الكمي وليس النوعي؟ أم الخلل في المعلم في وقتنا الحالي الذي فقد على مر السنين الكثير من مزاياه وكفاءته (إلا من رحم ربي)؟ هل أصبح التعليم في المساقات الأجنبية بمختلف أنواعها البديل الآمن لمن استطاع إليه سبيلاً.. عن امتحان الثانوية العامة الأردنية (التوجيهي)؟ هل هناك إدراك فعلي لمدى الخلل في هذه الجزئية التعليمية بالذات أم ما زلنا نتبع نهج رأس النعامة؟ والسؤال الأهم ماذا بعد هذه الامتحانات الثانوية هل لدينا خطط تعليمية مستدامة تحاكي الواقع ومتطلباته وتوجه الطلاب نحو احتياجات سوق العمل المحلي الاقليمي والعالمي بعيداً عن التخصصات التقليدية والمشبعة حد البطالة بحيث تعمل هذه الخطط على تغيير المفاهيم المجتمعية والتوجهات الدراسية بعيداً عن السعي وراء الألقاب الرنانة؟ هل يوجد خطط تمكين فعلي وحقيقي يبدأ منذ نعومة الأظفار وبخطط شاملة واعية منهجية ولا منهجية تدريجية تعمل على بناء تربوي تعليمي علمي عملي فكري معرفي وثقافي ضمن رؤية تعزز وتتلاءم مع منظومتنا العامة لخلق جيل متمكن ذو بعد إدراكي متقدم في عالم يُتزاحم فيه بالاختلاف المميز و الابداع؟
إن التربية والتعليم عملية مستمرة ومستدامة تشكل حجر الأساس في كينونة المجتمعات والدول وتواجه العديد من العراقيل والتحديات بكافة مستوياتها الأساسية والفرعية فلذلك يجب النظر بعمق في جدوى الاستمرار بالنهج الحالي المتبع في التعليم و بالأخص الثانوية العامة (التوجيهي) والعمل وفق دراسات استراتيجية منهجية علمية تربوية حديثة تتبنى معايير أكثر مرونة في تحقيق الغاية التعليمية وليس التعجيزية للمتقدمين لهذه الامتحانات التي ما زالت تعتبر مصيرية عند الأغلب لتحقيق طموحاتهم الذاتية والمستقبلية. إن في هذه الحياة ما يكفي من المحن الصعوبات المعيقات.. فلنكن عوناً لشباب المستقبل لا وجعاً.. (يسروا و لا تعسروا)..
والله دوماً من وراء القصد