نحن قوم نحبّ الازدحام ونعشق الزّحمة ، فما أن نرى طابورا طويلا أمام مخبز أو محطّة بنزين حتّى نسارع للاصطفاف في الطّابور مُزاحمين ، ثُمّ نسأل عن سّبب الطّابور والازدحام !. وعندما يفتح أحدهم محلاّ لبيع الدّواجن مثلا وينجح فإذ بعدد من المحلاّت يتمّ فتحها في نفس المنطقة . وبمجرّد حدوث حادث سير أو مشاجرة عاديّة بين اثنين حتّى يتجمّع خَلقٌ كثير وأكثرهم للفرجة ويصبح وجودهم مُعيقا ولا يُحقّق أدنى فائدة .
وما أن يخلو أحدنا بنفسه في البيت أو العمل حتّى تنهمر عليه الاستفسارات و الاتّهامات من كلّ جانب أقلّها ( شايف شوفه ) .ولا يهدأ لهم بال حتّى يجرّوك عندهم أو يأتوا إليك . فمن موروثاتنا الشّعبيّة أنّ الجنّة من دون ناس ما تنداس !.
وهذه الأيّام انتشرت موضة الأعتصامات والمطالبات فالكل يُطالب ويُريد أن يعتصم . والمسيرات أيضا أصبحت مجالا للتّنافس . علما أنُ بعض المعتصمين أو المشاركين في مسيرة قد لا يعرفون سبب الاعتصام أو مَطالب المسيرة . ومن ذلك أيضا الحديث عن الفساد ، فالكلّ يُدلي بدلوه في هذا المجال ، فيتمّ الحديث عن كلّ شيء وكلّ أحد ، فأصاب الشّك الجميع ، فالفساد في كلّ الأماكن والوزارات والمؤسّسات والصّفقات !، فالجميع فاسدون ( إلاّ المتحدّث ) سبحان الله ! .
ليس المقصود من كلامي القول بعدم وجود فساد أو فاسدين ولكنّي لا أحبّ المبالغة في ذلك ، فمن يُريد إصابة الهدف لا يحمل حجرا ضخما . كما أنّه لا يجوز إطلاق الاتّهامات ذات اليمين وذات الشّمال دون دليل أو قرينة . ومنهجنا في ذلك هو قول ربّنا جلّ وعزّ إذ يقول سبحانه ( ولا تَقْفُ ما ليس لك به علمٌ ، أنّ السّمعَ والبصرَ والفؤادَ كُلُّ اؤلئك كان عنه مسئولا ) . إنّ مبدأ أنّ المتّهم مُدانٌ حتّى يُثبِت براءَته غير صحيح ، فالأصل أنّ المتّهم بريءٌ حتّى تَثبتَ إدانته . وإلاّ كان الخوض في أعراض وسُمعة النّاس من الأمور السّهلة علما أنّ ذلك يكون سببا لوُرود المهالك بعقاب الله وعذابه ، فعندما يُسأل أهل جهنّم ما سَلَكَكُم في سَقر ؟ تكون إجابتهم بأنّ أحد الأسباب كان ( وكُنّا نخوضُ مع الخائضين ) .
كما أنّ مصطلح الإصلاح أصبح على كلّ لسان ، ولو أنّنا سألنا مائة شخصٍ عن مفهومهم للإصلاح وماذا يُريدون منه فربّما حصلنا على مائة إجابة مختلفة وأحيانا متعارضة ، فالإصلاح مطلوبٌ ولكن بتحديد أولويّاته وسقفه وأدواته ، فمن تعجّل الشّيء قبل أوانه عوقب بحرمانه .