- في منأى عن العاطفة فقد حق القول بتميز الأردن في كل الفصول السياسية ، ويرى ذلك ويعيه المنصفون والحياديون الذين يراقبون ويتابعون الحال العربي في ربيعه وخريفة ، فبالرُغم من ثقل الضغوط السياسية ،الإقتصادية والإجتماعية التي تقع على كاهل النظام الأردني داخليا ،إقليميا ودوليا بمسببات متباينة لكنها حاضرة، سيستمر الأردن سائرا نحو النهوض ليس في الجانب الإصلاحي الشامل وإجتثاث الفساد وملاحقة الفاسدين والمفسدين فحسب ، إنما في تعزيز دوره وحضوره على الخارطة السياسية عربيا ،إقليميا ودوليا ، كإستحقاق لهذا الوطن الأعز على النظام والشعب ، وهما يتسابقان وديا تجاه القواسم لأردن المستقبل ، حيث الدولة المدنية العصرية المنشودة كمنتج جديد يدمج الموروث التاريخي والحضاري بمستلزمات العصر .
- ومن يُمعن النظر ويدقق في الحال الأردنية ، سيجد أن لا معيقات لإنجاز الهدف الذي سيتحقق متخطيا نتوءات بعض المهووسن ممن تضخمت أنواتهم "جمع أنا...!" فصدّقوا أنفسهم ،لدرجة أن تبلورت خيالاتهم وسراب أحلامهم إلى الظن بأنهم قوة فعل في المسيرة ، لحد المطالبة بتغيير الحكومة الحالية كونها لم تتسق مع خزعبلاتهم ، ولم تخض معاركهم الدونكيشوتية ، وهي معارك مفتعلة في معظم الحالات ، كيدية وحقدية في أخرى ، وذات ملامس مشبوهة في بعض الأحيان ، لما تحمله في ثناياها من عوامل مُحرّضة على الإنقسام وتغوّل على الحقيقة ،القانون ، الدستور ، التاريخ ، الحاضر والمستقبل ، ومثال ذلك ما يُسمى فك الإرتباط كهوس عند البعض يحتاج إلى حكومة مُفصّلة خصيصا لإرضاء غرورهم ، دون الأخذ بالإعتبار أن فك الإرتباط في جوهره هو مجرد فعل سياسي في لحظة بعينها، لغايات حل لقضية فلسطين بموجبات إقليمية ودولية كانت مهيأة في وقتها ، ودون النظر فيما هو أهم وهو التشكيك بوطنية الفلسطيني ، وتصويره على نحو لا يخلو من التخوين والتخلي عن فلسطين في سبيل الرقم الوطني ، كما يهذر بهذه المقولة من عميت بصائرهم عن تضحيات الشعب الفلسطيني ونضاله، وعن تمسكه بكل ذرة تراب في فلسطين ، ناهيك عن أن الضفة الغربية ورُغم قرار فك الإرتباط لا يمكن إخراجها من عملية توحد بمسمى أو بآخر مع الضفة الشرقية ، في وحدة فدرالية بحكم التاريخ ، الجغرافيا ، الإشتباك الديموغرافي ، الإقتصاد والأمن و كإستحقاق دولي في أية صيغة من صيغ الحل إن حدث إنجازه في أي وقت ولو بعد قرن من الزمن .
- وفي ذات الهوس يتبدى الحرد وتتبعه المناكفة وقد يستحيل الأمر إستعصاء ، عند بعض جماعات الهوس المنفوخة في وسائل الإعلام ، لدرجة التمترس في الشارع في بحث محموم عن قانون إنتخاب يجب تفصيله على مقاسها ، بعد أن توهمت بأن بمقدورها لوي ذراع الدولة ، وبقصر نظر عن الخصوصية الأردنية في واقعها الحالي على الأقل، وبغير إعتبار لأهمية التدرج والتتابع لإنجاز الإصلاح السياسي بدلا من حرق المراحل ، التي قد يتطاير شرارها فيصيب المسيرة بمقتل لا تحمد عقباه ، في بلد مستهدف إسرائيليا ومحسود عربيا ومحاط باللهب جغرافيا ، وأي خلل فيه لا سمح الله كارثيا على جميع مكوناته ، والغريب أن الجميع فيه مقامرون، فيما يدعون الحكمة ويبدون الحرص ويتغنون بالوطنية ، وفي الحقيقة كل يغني على ليلاه ، ويسعى لتقريب النار إلى قرصه ، كما يقال في الموروث الشعبي .
- إن العاقل من إتعظ بغيره ، وليس أهون من الهدم ، لكن إعادة البناء عملية تحتاج الى وقت ، وقد بدأنا إعادة بناء الأردن السياسي لجميع الأردنيين بكل أطيافهم ومشاربهم ، وبرؤية شمولية لا تهدم ما أُنجز أو تتنكر للتاريخ ، لا تتوقف عند الحاضر أو المنظور القريب ، بل يجب النظر إلى المستقبل ، وهو ما يعني أن تبقى مسيرة الإصلاح مفتوحة على مصرعيها بدون تابوهات ، ما دمنا جميعا يتقدمنا الملك نعمل كفريق منسجم ومتناغم لأردن المستقبل ، القادر على التعايش والتفاعل مع التطورات والمتغيرات على جميع الصعد ، فحي على العمل بعقلانية ، هدوء ، دأب وبثقة ببعضنا البعض بغير هوس أو مزايدة .
نبيل عمرو-صحفي أردني
nabil_amro@hotmail.com