د. سليمان الشياب- تعاني الموازنة العامة في الاردن من عجز هيكلي نتج عن الخلل المستمر في تركيبتها حيث كانت النفقات الجارية منذ مطلع القرن الجديد تتجاوز نسبتها 80% في حين ان النفقات الراسمالية لم تتجاوز باحسن حالاتها ال20% ولم تتجاوز نسبة تغطية الايرادات المحلية لالجمالي النفقات نسبة 70% في معظم حالاتها وهذا يعني ان 10% من النقات الجارية بالاضافة الى كامل النفقات الراسمالية تغطى اما من المساعدات او من القروض وهذا بحد ذاته مشكلة كبيرة يضاف الى ما سبق ذكره ان ان الحكومات المتعاقبة لم تراعى الظروف الصعبة التي مر بها الاقتصاد الاردني فكانت تتوسع بالانفاق الى حد الهدر الكبير بالمال العام دون حسيب او رقيب سواءا في فترات الانتعاش الاقتصادي او الركود والانكماش الاقتصادي مما ادى الى ضائقة مالية لم تعد تقدر معها الحكومات المتعاقبة ان تواجه الازمات الاقتصادية وخصوصا في فترات الركود والكساد الاقتصادي.
وبقراءة موازنة عام 2012 فان هذه الموازنة ترزح تحت وطأة عوامل كثيرة تضع صاحب القرار الاقتصادي والحكومة في مواجهة حقيقية لجملة من المشاكل وتتلخص هذه العوامل بالتالي :
1- معدل التضخم المتوقع ان يبلغ نهاية 2011 هو 5.5% وهذا مرشح للارتفاع في العام 2012
2- البطالة التي بلغت 13.1% في عام 2011 وسسترتفع في عام 2012 وذلك بسبب الاوضاع السياسية ودخول خريجين جدد تفوق نسبتهم نسبة الوظائف المتوقعة ونسبة الذين سيحالون على التقاعد وكذلك عدم وجود نفقات راسمالية ومشاريع تنموية لتشغيل الايدي العاملة لتخفيف البطالة حيث ان النفقات الراسمالية التي توضع في الموازنات عادتا لا تنفذ وفقا لما وضعت له فكيف اذا كانت هذه النفقات اصلا متواضعة .
3- بلغ عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات 1151.4 مليون دينار خلال النصف الاول من عام 2011مقارنة بعجز مقداره 549.1 مليون دينار لنفس الفترة من عام 2010 وهذا العجز مرشح للارتفاع في عام 2012 بسبب الاوضاع الاقتصادية والسياسية وبسبب الاوضاع في سوريا والتي تؤثر بشكل واضح في هذا الجانب لان جزءا من مستورداتنا هي بضاعة سورية بالاضافة الى ان سوريا معبرا لمستورداتنا وتحويل هذه المستوردات عبر دول اخرى او موانئ اخرى يغني زيادة كلفة المستوردات
4- انخفاض دخل السياحة بنسبة 17.7% خلال التسعة شهور الاولى من عام 2011 وكذلك انخفضت حوالات المغتربين لنفس الفترة بنسبة 5.4% وهذا التراجع متوقع ان يزداد ( اي زيادة الانخفاض في الدخل المتاتي من هذين البندين) خلال عام 2012 وهذا يؤثر سلبا على موجودات الاردن من العملات الصعبة التي تدعم قوة العملة المحلية الدينار الاردني
5- انخفض معدل النمو الحقيقي في الناتج الاجمالي المحلي من 7.2% عام 2008 الى 2.3% عام 2010 وهذا سينخفض اكثر عام 2012 بسسب الاوضاع السياسية والاقتصادية حتى انه لن يصل الى معدل النمو السكاني
6- نمو الناتج الاجمالي المحلي المتوقع 8.6% ويتوقع نمو الايرادات المحلية بنسبة 12.6% عن مستواها لعام 2011 لتبلغ نسبتها 22.3% من الناتج المحلي الاجمالي ولا ندري كيف وصلت الحكومة لهذه التقديرات علما ان الدراسات التي قام بها الاقتصاديون في الاردن في السابق ابتداءا من عام 2000 وصلت هذه الدراسات الى نتيجة مفادها ان معدل النمو في الايرادات المحلية لم يتجاوز معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي
7- السياسة النقدية في الاردن اصبحت حيادية وغير فعالة ولا تدعم السياسة المالية واصبح كامل العبئ ملقى على السياسة المالية المعتلة اصلا بسبب الضغوطات الناجمة عن عجز الموازنة
8- سوف تتجاوز المديونية الحد المسموح به من الناتج المحلي الاجمالي وذلك لعدة اسباب منها :
أ- لن تستطيع الحكومة ان تحافظ على النفقات الجارية على مستواها في عام 2011 كما ذكر وزير المالية لان هذه النفقات سترتفع بالحد الادنى بمعدل التضخم في عام 2012 والمتوقع ان يتجاوز عن مستواه في عام 2011 وهو 5.5%
ب- الهدر في المال العام وعدم ضبط النفقات
ج- الدعم الذي تقدمه الحكومة للمؤسسات المستقلة
ح- المنح في الموازنة تقديرية لان الموازنة تقديرية اصلا وهذه المنح قد لا تحصل عليها الحكومة وفقا لتقديراتها وذلك في ظل الظروف الاقتصادية المتردية وازمة الديون الاوروبية المتصاعدة
خ- التوجه الحكومي الى الاقتراض الداخلي الذي سوف يرفع عليها كلفة الاقتراض والذي سيؤدي الى رفع كلفة الاقتراض على القطاع الخاص نتيجة منافسة الحكومة له على السيولة المحلية التي هي شحيحة بالاساس وبالتالي ستقع الحكومة نتيجة في هذا السلوك بمجموعة من الاخطاء
د- تخفيض التصنيف الائتماني للاردن من قيل مؤسسات التصنيف العالمية الذي سوف يزيد من كلفة القروض على الاردن
ذ- اعادة الهيكلة التي سوف تحتاج الى اموال قد تتجاوز المقدر لها
وللتخفيف من هذه المشاكل تسعى الحكومة للتقليل منها من خلال تحسين الايرادات المحلية والتي ستكون بالضرورة مستندة الى اساليب تكون نتائجها سلبية اكثر منها ايجابية ومنها :
1- فرض ضرائب جديدة
2- زيادة نسبة الضرائب الحالية
3- رفع الدعم عن السلع المدعومة
وهذه جميعها سوف تكون على حساب جيوب المواطنين التي هي خاوية بالاساس لذلك نقول ان الاولى بالحكومة ان تعالج ذلك من خلال ما يلي :
1- تطبيق الضريبة التصاعدية المطبقة عالميا
2- رفع الضرائب على البنوك والشركات الكبرى بدلا من تخفيضها او فتح باب المنافسة لبنوك جديدة لتدخل السوق
3- اعادة النظر في ضريبة التعدين
4- الغاء او دمج المؤسسات المستقلة التي تدعمها الحكومة بمبلغ يعادل مبلغ دعم السلع الذي تنوي الحكومة رفعه
5- دعم المشاريع التنوية
6- دعم الشركات المتعثرة لاسباب خارجة عن ارادة اداراتها
هذا جزء مما يمكن ان تقوم به الحكومة ولكن فبل ذلك وبعده لا بد من ضبط وترشيد النفقات وربطها بمعدل نمو الايرادات المحلية والله نسال ان يوفقنا جميعا
الدكتور :
سليمان الشياب