أخبار البلد - تقول أوساط دبلوماسية خليجية إن السياسات التي ينتهجها الغرب وطريقة تعاطيه الفوقية التي لا تخلو من ازدواجية تشكلان حافزا إضافيا للمملكة العربية السعودية للمضي قدما في تطوير علاقتها مع الشرق ولاسيما مع الصين، مستندة في ذلك على ما تملكه من أدوات قوة سواء في علاقة بمتانة اقتصادها والموارد الطاقية الهائلة التي تملكها أو من ناحية ثقلها السياسي على الصعيد الإقليمي.
وتمرّ العلاقات السعودية – الأميركية بفتور كبير جراء رفض المملكة زيادة إنتاج النفط لضبط أسواق الخام التي تشهد ارتفاعا كبيرا بسبب الحرب الأوكرانية، وتحاول إدارة الرئيس جو بايدن الضغط على المملكة من خلال إثارة بعض القضايا الخلافية ذات الصبغة الحقوقية، مع الدفع بحلفائها من الغرب على غرار بريطانيا إلى التحرك وإقناع الرياض بتغيير موقفها، بيد أنه من غير المرجح أن تنجح في ذلك، والأقرب أن هذه السياسة ستكون لها ارتدادات عكسية.
وتوضح الأوساط الخليجية أن العملاق الآسيوي الصين سيكون المستفيد الأول من الأخطاء الغربية المتراكمة، ولاسيما الأخطاء الأميركية الناجمة عن قلة فهم للديناميكية المتغيرة للبيئة الخليجية، حيث لا تزال الولايات المتحدة تنتهج نفس الأسلوب القديم القائم على الضغط والذي لا يخلو من استعلاء، وإعطاء دروس، آخرها إثارة ملف حقوق الإنسان في المملكة بعد الحكم بالإعدام الذي صدر بحق عناصر متورطة ضمن جماعات متطرفة.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال” الثلاثاء أن السعودية "تدرس استخدام اليوان الصيني بدلا من الدولار في مبيعات النفط إلى الصين”، الأمر الذي من شأنه، إن تحقق، أن يلحق ضررا كبيرا بالدولار الأميركي.
وتعتبر الصين أكبر مستورد للنفط على الصعيد العالمي وهي تشتري أكثر من خمسة وعشرين في المئة من صادرات المملكة، وإذا تم تسعير هذه الصادرات باليوان فإن الصين ستعزز بذلك من مكانة عملتها، وستفتح المجال لدول أخرى للتعامل التجاري مع بكين بعيدا عن الدولار الأميركي، وهو طموح لطالما سعت بكين إلى تحقيقه.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مصادر مطلعة -لم تسمها- قولها إن الرياض "تجري محادثات نشطة مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان”. وحذرت المصادر من أن هذه الخطوة "من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار على سوق النفط العالمية”.
وتقول الأوساط الخليجية إن إعادة إثارة موضوع التبادلات التجارية بين السعودية والصين باستخدام اليوان، بعد أن جمدت المباحثات حول هذه المسألة منذ ما يقرب من ست سنوات بفعل التدخل الأميركي، تشكل رسالة سعودية جديدة لا تخلو من تحد للإدارة الأميركية ويفيد مضمونها بأن المملكة ليست في وارد القبول بأي ضغوط تمارس عليها وأنها ستسير أينما تقتضي مصلحتها.
وجاءت تسريبات الصحيفة الأميركية بعد يوم واحد من نشرها خبرا عن قيام السعودية بتوجيه دعوة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارتها، وذكرت "وول ستريت جورنال” في تقرير نشرته الإثنين أن الزيارة من المقرر إجراؤها "في وقت لاحق من مايو المقبل بعد انتهاء شهر رمضان”.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع -لم تسمه- قوله إن السعودية "تسعى لتعزيز وتعميق علاقتها مع بكين في ظل تحول جيوسياسي في الشرق الأوسط” حيث تتطلع الصين وروسيا إلى توسيع نفوذهما في آسيا والمنطقة.
وأشار المصدر إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الصيني "صديقان حميمان، وكلاهما يدرك أن هناك إمكانات هائلة لعلاقات أقوى”، مضيفا أن الأمر ليس مرتبطا بشراء النفط من المملكة والأسلحة من الصين.
وتشهد العلاقات بين السعودية، التي تقود منظمة أوبك، والصين تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ويعيد متابعون ذلك إلى اعتبارات عديدة من بينها الشعور المتنامي لدى السعودية بامتلاكها ما يكفي من مقومات القوة التي تخول لها أن تكون سيدة قرارها وعدم اضطرارها إلى مراعاة حلفائها الغربيين الذين سبق وأن خذلوها في أكثر من ملف، لا بل إن هناك من وضع شروطا مجحفة لتصدير أسلحة إليها والبعض الآخر ذهب إلى حد وقف تلك المشتريات عن المملكة رغم أنها في حاجة ماسة إليها لحماية أراضيها من الهجمات المتكررة التي تتعرض لها على أيدي المتمردين الحوثيين الموالين لإيران.
وزار الرئيس الصيني شي جين بينغ الرياض في عام 2016، ليرد العاهل السعودي الزيارة عام 2017 بصحبة وفد من ألف شخص. وأجرى ولي العهد السعودي في عام 2019 محادثات مع شي في بكين، أبرما خلالها اتفاقا نفطيا بقيمة 10 مليارات دولار، وكان من المفترض أن يحضر الأمير محمد افتتاح أولمبياد بكين في فبراير الماضي لكن "ظروفا حالت دون ذلك” ليتم إرسال وفد رسمي سعودي للمشاركة رغم المقاطعة الغربية للحدث الرياضي.
وحسب ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال” فإن الرياض تخطط لتكرار الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2017، عندما زار المملكة، مع الرئيس الصيني. ولم تصدر الرياض أو بكين أي تعليق على ما نشرته "وول ستريت جورنال” بشأن الزيارة المذكورة.
وستكون هذه أول رحلة خارجية يقوم بها شي منذ أزمة كورونا، ويرجح أن تُجرى خلالها مناقشة مسألة استخدام اليوان في التعاملات النفطية، لكن خبراء اقتصاد يرون أن التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة ليس بالسهولة المطروحة حيث أن الاقتصاد السعودي مرتبط بشكل عضوي بالدولار الأميركي وبالتالي فإن السير في هذا الخيار "محفوف بالمخطر”.
السعودية وجهت دعوة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارتها، ومن المقرر أن تُجرى الزيارة في مايو المقبل
وقالت الصحيفة الأميركية إن زيارة الرئيس شي المفترضة تمثل النقيض من علاقة الأمير محمد بالرئيس بايدن، الذي تجنب ولي العهد السعودي بعد أن تعهد خلال حملة عام 2020 بمعاملة المملكة كدولة "منبوذة”.
ويشار إلى أنه منذ تولّي جو بايدن منصب الرئيس الأميركي في يناير 2021، تعرضت الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة لاختبار قاس، سواء في علاقة بالتعاطي الأميركي المثير للجدل مع الملف اليمني، وإقدام إدارة بايدن على سحب المتمردين الحوثيين من لائحة الإرهاب، أو في علاقة بمسارعة واشنطن إلى فسح المجال للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران دون أن تقيم أي اعتبار لهواجس حلفائها الخليجيين، فضلا عن استمرار الحملة التي تستهدف ولي العهد السعودي بشأن مقتل الصحافي جمال خاشقجي في عام 2018.
وعن ذلك قال الأمير محمد في مقابلة حديثة مع مجلة "ذي أتلانتيك” إنه "لا يهتم بما إذا كان بايدن قد أساء فهم الأشياء المتعلقة به” و"أن الأمر
متروك له".