هل تنهار إسرائيل من الداخل؟

هل تنهار إسرائيل من الداخل؟
أخبار البلد -  
اخبار البلد - 
 

الكيان الإسرائيلي عبارة عن مشروع استعماري غربي إحلالي، فهو رهينة التطورات والتغيرات الخارجية والداخلية، وهذه المقالة تسلط الضوء على الأزمات الداخلية التي تعاني منها دولة إسرائيل والتي من شأنها إما أن تحد من تطورها كدولة أو ستؤدي إلى تفسخها من الداخل.
ومن أهم الأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل هي أزمة الهوية، فإسرائيل تعرف نفسها بأنها دولة يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه. إلا أن هناك تناقضًا في مركبات الهوية الإسرائيلية وهي اليهودية، الصهيونية، القومية، والديمقراطية، وينبع هذا التناقض من المنطلقات والخلفيات التي ينطلق منها كل مركب، فمحاولة المزاوجة بين اليهودية وأي من المفاهيم سابقة الذكر ينطوي على خلل بنيوي وأزمات كامنة وأخرى ظاهرة على صعيد الفكر والممارسة.
فاليهودية ديانة تخص اليهود، تؤمن بمعتقدات وتتشبه برموز دينية تختلف تمامًا عن الصهيونية التي أحدث مفهومها أزمة عميقة لليهودية، فقد استولت على رموزها وحولت نفسها إلى حركة خلاصية يهودية تسعى إلى إقامة وطن قومي لليهود، داعية إلى إحداث انقلاب جذري في حياة اليهود عن طريق تخليصهم من حالة الاضطهاد الدائمة الممارسة بحقهم. ومنذ ظهور الصهيونية نشب صراع ما بين اليهودية والصهيونية وما زالت اليهودية ومختلف تياراتها الدينية ترفض الصهيونية وتعتبرها حركة علمانية ملحدة تشكل خطرًا على اليهود واليهودية لاعتقادهم أن الدولة اليهودية سيقيمها الماشيح المنتظر ولن تقوم على أيدي بشرية.
أما بخصوص التزاوج الذي يجمع بين اليهودية والقومية فينطوي هو الآخر على تناقضات صارخة، فقد حاولت الصهيونية إنتاج تطابق بين الدين والقومية، والادعاء أن لليهود أصلًا واحدًا وأن يهود العالم يشكلون قومية واحدة، ومن أجل خلق القومية اليهودية ابتدعت إسرائيل ما عُرف ببوتقة الصهر من أجل محاولة صهر المجموعات اليهودية المهاجرة التي تفتقد للتجانس من خلال مؤسسات عامة كالهستدروت والكيبوتس والجيش، إلا أن هذا الخلط العشوائي لهذه الجماعات نجم عنه مزيدًا من التنافر والصراع والتوترات، خاصة بين اليهود الشرقيين والإشكناز الغربيين، ومع توالي الهجرات فشلت بوتقة الصهر في بناء هوية قومية واحدة لليهود.
أما تزاوج مفهومي اليهودية والديمقراطية فقد انطوى هو الآخر على تناقض واضح، ذلك أن اليهودية وما تتضمنه من معتقدات وتصورات عنصرية تتنافى تماماً مع الديمقراطية التي تقوم على أساس المواطنة والحريات وحقوق الإنسان والاعتراف بالآخر وغيرها من المفاهيم. فاليهودية تصف شعب إسرائيل بشعب الله المختار وعليه فإن أي شعب آخر تعتبر من وجهة نظرهم شعبًا ممثلًا بالدونية، وفي هذه الرؤية نزعات عنصرية واحتقار وكراهية للشعوب والجماعات غير اليهودية، فاليهودية ديانة انطوائية تضع الحواجز بينها وبين مختلف الأديان والشعوب، وهذا يتناقض مع أهم أسس الديمقراطية الداعية للانفتاح والتسامح واحترام الرأي الآخر وتقبله، فالديمقراطية لا تقبل ما تنطوي عليه اليهودية من معتقدات وممارسات تتناقض تمامًا مع مبادئها وأسسها.
وعليه اكتشف قادة الصهيونية والكيان الإسرائيلي أن حل المسألة اليهودية لن ينتهي بإقامة الدولة، فلم يتمكن القادة من خلق هوية موحدة ومتجانسة من خلال بوتقة الصهر، مما أدى إلى انقسامات وصراعات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي بدأت تبرز بعد إقامة الدولة، ولعل أهمها هو الصراع بين التيار الديني والتيار العلماني، فقد هدفت الصهيونية إلى إقامة دولة قومية علمانية، وهو ما أدى إلى صراع حاد مع الجماعات الدينية المتزمتة التي رفضت الصهيونية وخطابها من حيث المبدأ، لكن مع الوقت اضطر التيار الديني إلى الانخراط في الحياة السياسية في محاولة للتأثير على قرارات الدولة وثقافة المجتمع، وقد ولد تنامي التيار الديني قلقاً في أوساط العلمانية المسيطرة على الدولة، وتوترات دائمة وصراعات متواصلة منذ إقامة الدولة وحتى الوقت الراهن.
فالأحزاب الدينية تسعى إلى الانخراط أكثر في الحياة السياسية من أجل إعطاء مضمون ديني للدولة والحفاظ على الوصايا اليهودية الدينية، ولاقتطاع ما يمكنها من حصص وموازنات من الحكومة في سبيل خدمة أتباعها وبرامجها. ويرى التيار العلماني أن التيار الديني يشكل عبئًا على الدولة فهم يتلقون موازنات كبيرة ولا يساهمون في العملية الإنتاجية ولا يخدمون في الجيش، وفي المقابل يتهم التيار الديني التيار العلماني بأنهم بعيدين عن الدين اليهودي وبالتالي يشكلون خطرًا على اليهودية.
ثم يأتي بعد ذلك الانقسام الإثني بين المستوطنين والمهاجرين، وتعود أسباب هذه الانقسامات إلى تعدد الأصول الإثنية والثقافية للمهاجرين، بالإضافة لتوافدهم في فترات مختلفة، وهو ما ولدّ مجموعات غير متجانسة، وأبرز هذه الصراعات بين اليهود الإشكناز الغربيين وبين اليهود الشرقيين في ظل الهيمنة الإشكنازية على الدولة، وتهميش بقية الفئات والجماعات الإثنية. وعلى سبيل المثال، فقد وصلت نسبة الفقر في إسرائيل عام 2016 إلى 22%، حيث يتركز الفقر لدى اليهود الشرقيين والفلسطينيين في الداخل.
وهذا التهميش أدى لظهور حركات احتجاجية في صفوف اليهود الشرقيين، ضد هيمنة الإشكناز على المفاصل الرئيسية في الدولة، والتي أثمرت عن تبلور أحزاب وحركات سياسية أبرزها حركة شاس. ولم تقتصر هذه التصدعات الإثنية على اليهود الشرقيين والغربيين، بل تعدتها لتشمل كافة الجماعات اليهودية: الروسية والأثيوبية والآسيوية، وأمريكا اللاتينية، وغيرها من الإثنيات إلى جانب الصراع اليهودي العربي الفلسطيني
إلا أن قادة إسرائيل توصلوا إلى مايوحد هذه الجماعات المتنافرة والمنقسمة، ألا وهو الخطر الذي يتهددها، عن طريق ترسيخ ثقافة الخوف والخطر الذي يشكله العرب على وجود اليهود.
ثم تأتي بعد ذلك قضية من هو اليهودي، التي أثارت خلافات بين مؤسسات الدولة والمؤسسة الأرثوذكسية، وترتب عليها عدم الاعتراف من قبل المؤسسة الدينية اليهودية بآلاف المهاجرين في ظل تشجيع الصهيونية العلمانية على الهجرة إلى إسرائيل. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو قد أصر على الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي من جانب الطرف الفلسطيني والعرب والعالم أجمع، مما أدى لبروز خلاف حول مفهومي الدولة اليهودية أو دولة اليهود، وما يحمله كل مفهوم من تفسيرات. فالتيار الديني يفضل مصطلح الدولة اليهودية حتى يكون للدين اليهودي دور مؤثر في الحياة العامة، أما مصطلح دولة اليهود هو أقرب إلى القومية.ومسألة يهودية الدولة قد جرت التأكيد عليها من خلال عدد من القوانين الأساسية وكان آخرها قانون القومية الذي جرى سنه في سنة 2018 وتكمن خطورة هذا القانون في أنه يكرس الامتيازات الحصرية في الأرض والثروات لليهود وحدهم ويحول الفلسطينيون سواء في داخل إسرائيل أو في الضفة الغربية إلى مجموعات بشرية لا حقوق لها، وهو ما يهدد وجودهم على الأرض.
لقد كان الحلم الصهيوني أن تقام دولة يهودية على كل فلسطين بعد تشريد سكانها الأصليين منها، فبعد أن هجرت العصابات الصهيونية قرابة المليون ونصف فلسطيني، ولم يبق منهم سوى ما يقارب 70 ألفا موزعين على عدد كبير من القرى والمدن، إلا أنهم بعد أكثر من 68 عاماً أصبحوا أكثر من مليون ونصف نسمة، فمعدلات النمو في نسبة المواليد الخام عند الفلسطينيين أعلى بكثير من معدلات مواليد اليهود، مما يشكل قلق عند القادة الإسرائيليين بخصوص تزايد عدد سكان العرب، لذلك ترفض إسرائيل عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين سيغيروا طابع الدولة الصهيوني، في ظل اقتراب أعداد اليهود من أعداد الفلسطينيين في فلسطين.
وقد تحدث عدد من القادة الإسرائيليين التاريخيين عن زوال إسرائيل أمثال المؤرخ الصهيوني المتطرف بيني موريس، والسياسي أبراهام بورغ، والكاتب إبراهام تيروش وغيرهم، وهذا الزوال مقترن بإصرار قادة الصهيونية على إنشاء دولة اليهود النقية، التي لا يمكن وجودها ففي ظل المعادلات القائمة سيصبح اليهود أقلية في هذه الدولة
ويقودنا هذا إلى نقطة ثانية بالغة الأهمية ألا وهي الهجرة المعاكسة، فقد اعتمدت الحركة الصهيونية على هجرة اليهود من كافة دول العالم إلى فلسطين من أجل إنشاء الدولة والسيطرة على الأرض، لكن بعد إجبار إسرائيل على الانسحاب من لبنان وقطاع غزة تحت ضربات المقاومة، بدأ اليهود بالشعور في الخطر والاحساس بعدم الأمان في إسرائيل. وفي حال استمرت الهجرة المعاكسة وبقيت معدلات النمو للمواليد الخام عند الفلسطينيين أعلى منها عند اليهود سيفوق أعداد الفلسطينيين أعداد اليهود بكثير خلال العقود القادمة.
تبقى نقطة أخيرة تتعلق في التغير في النظرة إلى القوة العسكرية الإسرائيلية المدعومة من الغرب التي عرفت سابقًا بالجيش الذي لا يهزم، فقد بدأت بالتغير ابتداء من حرب الـ 1973، كما أن هناك قلق وجودي ناتج عن حركات المقاومة الفلسطينية، فالفلسطينيون يشكلون كابوسًا حقيقيًا للإسرائيليين في ظل استمرار الهبات والعمليات الفدائية والعمليات الفردية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة للتطور النوعي في القدرة القتالية للمقاومة الفلسطينية في القطاع التي استطاعت صواريخها ضرب جميع المدن والمواقع والمؤسسات الحيوية والمطارات الإسرائيلية، مما شكل حالة من الفزع للمستوطنيين الذين كان لهم دور في وقف الحرب للخلاص من صواريخ المقاومة في عام 2021. وعليه لن تستطيع إسرائيل القضاء على حركات المقاومة التي تعمل بجد على تطوير مهاراتها وأساليبها القتالية.
فقد أجبرت إسرائيل بعد عام 1967 على الانسحاب من ثلاثة مناطق تقع في صلب مشروعها الاستيطاني التوسعي، تحت ضربات المقاومة، وفي حال أخلت الضفة الغربية أو أجزاء منها أو توصلت إلى تسوية حول موضوع القدس، تكون قد زعزعت أهم الأسس التي تستند عليها اليهودية والصهيونية على حد سواء، وذلك لأن هذه المناطق تعد هي الوطن اليهودي التاريخي المزعوم؛ فالقدس الشرقية التي هي في قلب وجوهر المشروع الصهيوني ولهذا تكون قد سجلت لحظة فارقة في تاريخ الصراع، وهذ يدلل على الانكماش الجغرافي للمشروع الصهيوني التوسعي، وانتقال إسرائيل من مرحلة القوة إلى الضعف وانطوائها خلف جدرانها الإسمنتية.
إن هذه الصراعات والانقسامات والتصدعات المتنوعة بشأنها أن تتنامى وتعكس نفسها على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في إسرائيل، ومن الممكن أن تؤدي إلى أزمات قد تصل إلى حد التعبير عنها بوسائل عنيفة.
*أستاذ النظم السياسية المقارنة في الجامعة العربية الأمريكية فلسطين

شريط الأخبار رياح نشطة ظهرًا مع بقاء درجات الحرارة دافئة... حالة الطقس ليوم الخميس قائد أركان الاحتلال “يطالب” بضم الجميع للجيش فيديو أهالي غزة على شاطئ البحر “يستفز” بن غفير.. دعا لحل مجلس حرب الاحتلال! طلبة “كولومبيا الأمريكية” يعتصمون تنديداً بجرائم الاحتلال..نصبوا 60 خيمة بالحرم الجامعي (فيديو) توقعات بوصول سعر غرام الذهب في الأردن إلى 55 دينارًا حملة لإنارة المقابر في إربد لهذا السبب العثور على شاب مشنوقًا أمام منزلة في لواء الأغوار الشمالية وزير إسرائيلي: لم أعد أعتمد على الجيش بعد 7 أكتوبر أغرب من الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها إلى البنك ليوقع لها على قرض! (فيديو) قذيفة إسرائيلية واحدة تقضي على 5 آلاف من أجنة أطفال الأنابيب في غزة المواصفات تتحقق من 3750 منتجاً في 1250 منشأة خلال رمضان والعيد نشاط ملحوظ لطائرات سلاح الجو الملكي خلال هذه الفترة التنمية الاجتماعية: واحد من كل أربعة متسولين يعاد ضبطه في الأردن الضمان: الإعلان عن الزيادة السنوية على الرواتب التقاعدية الشهر المقبل الملك والعاهل البحريني يؤكدان ضرورة إدامة التنسيق العربي أزمة معتقلي الرأي تتفاعل.. منظمة العفو الدولية والأحزاب اليسارية تصدر بيانات للإفراج عنهم والأهالي"ذنب أولادنا أنهم ناصروا غزة" الفلاحات بعد قرار حل حزب الشراكة والانقاذ: سنقوم بتأسيس حزب جديد.. وبدأنا بجمع تواقيع لتأسيسه مطاعم زهور الشفا يحول تلاع العلي إلى "باربيكيو" ومخاوف من سقوط "الشقف والكباب" 18 إصابة من بينها حالات حرجة نتيجة هجوم مسيّرات لحزب الله على مقر قيادة إسرائيلي رئيس الوزراء يحذر: لن نسمح بهذا