يرى الإنسان العاجز محدود الإدراك الأشياء بما تيسّر له من وسائل حكم أو تقدير أو معاينة فيحكم عليها، وليس بالضرورة أن يكون حكمه سليما، فقد يرى الشر خيرا ويرى الخير شرا ويرى الدنيا الهزيلة غنيمة، ويرى عدم تحقق مراده في الحال خسارة أو هزيمة، فهو يرى الجزء الظاهر من الأشياء فقط ولا يرى ما غطس منها أو خفي، وهكذا هو الإنسان مهما بلغ من مراقي العلم والإدراك.
لكن الله تعالى العليم الخبير يعلمه ويكرمه ويبصره ويدله على الطريق ويوضح له بعض ما خفي عنه، إن شاء، رحمة به وتمكينا له ولا يتركه يعاني ويشعر بالضعف أو بالعجز.
انظر إلى مكر المفسدين الذين نصبوا أنفسهم دعاة للفتنة وأربابا للشر ومفرقين للجماعات، فقد تطاولوا كعادة المفسدين على خيار الناس وأعظمهم، وهكذا فلا يرضون من الصيد إلاّ أعظمه وأطهره، وما شأنهم بالفاسدين أمثالهم؟
تعرّضوا لأكرم بيت في الأرض ولأكرم زوج لبيت النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، بيت الحكمة ومتنزل القرآن، وإلى بنت الصديق أبي بكر رضي الله عنه، والإنسان بشر والشائعات مصائب قاصمات تسري حتى بين كثير من الأخيار كسريان النار في الهشيم، بل يصبح الأخضر أمام وهج النار هشيما إلاّ من رحم ربك فتطيش العقول وتغيب الحكمة.
ألا ترون اليوم كيف يكذب أحدهم كذبة تدوي في الآفاق ولكثرة تردادها تضحى وكأنّها حقيقة.
وانظر إلى هذا الأعذب من الماء البارد لمن أدركه الظمأ والأرق من النسيم العليل في يوم قائظ، وإلى هذا الحنو الرباني الجليل الخطاب الرباني:
"لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم"، وعليك أن تصدّق وتستشعر خيريته بالرغم من الألم الذي اعتراك لكن من هو المتضرر ومن الذي وقع عليه الشر؟ يجيبك القرأن أيضا:
"لكل امرىء ٍمنهم ما اكتسب من الإثم"، هو يظن أنّه سجّل هدفا عظيما في مرماكم فشتم وقدح وآذى، وآخر ضرب بحجر أو ملأ يديه مرارا وظنّ أنّه يدمي رؤوسكم وما علم أنّه يكسب لنفسه الأذى ويضرب ذاته،
وآخر أشعل النار وحطّم البناء وسرق ونهب، فقد اكتسب الخبال وملأ جوفه شراً.
وآخر اقتلع عيناً كانت تردد آي الكتاب، عين الدكتور عماد صالح، أجره الله، وتسعى في الليل على محتاج فقد سبقته إلى الجنة، ومن عزهم أنّهم من الذين قيل فيهم:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدمـــا
وأما من فقأها مستعيناً بشياطين الإنس ورجع إلى بيته مسروراً يحدّث نفسه بالنصر على الأعداء أخفى جريمته واختفى عن الأنظار ونجا من عقاب الدنيا فسوف يدعو ثبورا، عين الله ترقبه وتطارده في الدنيا والآخرة ولينتظر وليتفقّد نَفْسه وسيرى عدل الله ولو بعد حين.
وكذا حال من زغرد على تكسير جمجمة معاذ عبد المجيد الخوالدة، ونعم الولد والوالد والبيت والعشيرة ليسجى على الأرض ساعات دون إسعاف، لتتردد أسئلة الحائرين قِيَمُ مَنْ هذه؟ هل نحن أمام دببة وضباع وقوارض في غابة في الأدغال قبل مئات السنين وهل استوحش المستأنِسُون؟
أما كبيرهم أو كبراؤهم أو مترفوهم، فقد قال الله عنهم "وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (النور 11).
هذا الذي نظر وعبس وبسر ثم أدبر واستكبر، هو الذي هدد وتوعّد وأرغى وأزبد ليترقّى في دركات الدنيا، فله النصيب الأكبر، عذاب عظيم أليم مقيم.
أما أنتم يا أهل المفرق، أهل فرقان، إن شاء الله، فلا تحسبوه شراً لكم وأنتم على خير، فهذه آخر أسلحتهم البائسة الفانية، وقد أفلسوا فلا منطق عندهم ولا حجة، ولم يبق عندهم إلاّ الغرائزية المتخلّفة.
وما هي إلاّ ساعات في (عمر الشعوب)، إلاّ وقد يظهر نور الحق والعدل والحرية على ما سواه كما ظهر أول مرة، وما عليكم إلاّ أن تكونوا مثل أولي العزم في صَبْرهم وعندها "فَهَلْ يُهْلَك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ" (الأحقاف 35).
إنّ الذين يرون الجموع الهادرة المضللة تلبّي نداءهم وتشرع بتنفيذ مكرهم فتضرب وتكسر وتدمر فيفرحون بها ويطمئنون إلى نتائجها مثلهم كمثل من قالوا من قوم عاد: "هذا عارض ممطرنا" جاهاً ومالاً، وإذا بها في الحقيقة والمآل عما قريب "ريح فيها عذاب أليم"، وما هي من الظالمين ببعيد.
فاز عماد ومعاذ وأخوانهم والإصلاحيون معهم رجال الأردن والمفرق وما حولها ولا يعيبهم صبرهم وقلتهم، فإنّ الكرام قليل، وسيأزر إليهم كل صاحب قلب حر شهم نقي يغار على الأردن ويرجو له الخير.
أمّا هم ومن وراءهم من الخارجين على القانون والقيم وعادات الكرام، فيجب أن يعلموا أنّهم جرحوا كبرياء الوطن وتسببوا بضياع هيبة الدولة التي يجب أن يحافظوا عليها وحاولوا الإساءة للعشائر الأردنية وتقديمها للعالم الخارجي على أنّها متخلّفة وليست بمستوى التعاطي السياسي الراقي، وهي على خلاف ذلك نعتز بها وبمواقف أبنائها المشرفة.
لقد أرادوا فتح باب من الشر ليستريحوا هم ويستمروا على فسادهم دون حسيب أو رقيب، ولكن الزمن تجاوزهم ويد العدالة ستطالهم عما قريب، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
سالم الفلاحات يكتب : «المفرق لا تحسبوه شراً لكم»
أخبار البلد -