اخبار البلد -
عبد الرؤوف الروابدة علق مؤخرا في احدى المحطات الفضائية على دسترة مجلس الامن القومي، منتقدا التعديل، ومفضلا تشكيله كهيئة استشارية وفقا للنظام لا قانونا او مادة دستورية.
تعليق الروابدة جاء متاخرا جدا بعد إقرار التعديل الدستوري، جاعلا من الموقف والرؤية المعلن عنها مناورة لا تقدم ولا تؤخر في الواقع الجديد؛ ففضلا عن انها بدون كلف سياسية على الروابدة، فإنها لا تتطلب منه أي جهد لتجسيد رؤيته المعلنة لتتحول الى موقف وسياسة بعد ان اصبح المجلس امرا واقعا ودستوريا يصعب تغييره.
سمير الرفاعي لم يغب عن المشهد، مدافعا عن موقفه بالامتناع من التصويت على المادة الخاصة بحقوق الشباب والمرأة وذوي الإعاقة في أثناء إقرار التعديلات الدستورية في مجلس الاعيان بحجة مخالفتها ما تم التوافق عليه في لجنة التحديث السياسي التي ترأسها، علما انه لم يعترض على التعديلات الخاصة بمجلس الامن القومي الذي لم تقترحه لجنة التحديث السياسي بدورها!!
الرفاعي لم يكتفِ بذلك، بل علق على منتقديه ومنتقدي مخرجات لجنة التحديث السياسي بالقول: "إنه هجوم ممن يصرون على التشبث بالأضواء بعد أن أخذوا زمنهم وزمن غيرهم، فيتقلبون في المواقف وفق المصالح".
ورغم قوة العبارة إلا أن مفهوم الزمن في عصر السرعة والانترنت تغير كثيرا بشكل يُصَعِّب حصر مدى ومجال التصريح.
عمر الرزاز بدوره انخرط في النقاش المحلي لكنْ من زاوية اقتصادية، مستفيضا في الحديث عن الثورة الصناعية الرابعة، ومبشرا بثروة تجتث الريع التقليدي؛ إذ يتصورها مخرجا ومهربا من الاقتصاد الريعي التقليدي دون أن يوضح إن كان هناك اقتصاد ريعي غير تقليدي او معاصر، فلكل زمان دولة وريع خاص بهما؛ فالثورة الصناعية الرابعة لم تفلت من قوة الريع كمنتج سياسي واجتماعي يَصعب تغييره بثورة زراعية او صناعية؛ فالمنظومة تقليدية، والنخبة باتت إرثًا كالأهرام والبتراء يتوافد السياح لرؤيتها من كافة انحاء العالم بعد ان تخطت الزمن في قِدَمها.
أصحاب المعالي الثلاثة تزامنت رواياتهم وحواراتهم عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي مع مقابلة للرئيس الخصاونة نشرتها العديد من المواقع ووسائل الاعلام، لتتحول كحال سابقتها من لقاءات، وكحال لقاءات المسؤولين الثلاثة السابقين الى مادة دسمة تملأ الفراغ الاعلامي والسياسي الذي تبع إقرار التعديلات الدستورية، تثير القليل من الجدل، وتخفف شيئا من حالة الاحباط التي رافقت التعديلات؛ فالتصريحات اندلع على هامشها العديد من المعارك الاعلامية وشبه السياسية.
رغم جاذبية تصريحات الراءات الأربعة (الروابدة والرفاعي والرزاز وبشر الخصاونة) في القراءة والتعليق والمتابعة من قبل الجمهور والمراقبين، إلا أنها لن تُحول الاهتمام، ولن تحتل مساحة الجدل والقلق المرتبط بالواقع الاقتصادي المتدهور للجمهور؛ فالقضايا التي تشغلهم وتمس حياتهم اليومية باتت اكثر إلحاحا من التعديلات الدستورية، وعلى رأسها التعرفة الجديدة للكهرباء، وما سبقها من "إعلان نوايا" لاتفاق الكهرباء مقابل الماء مع الكيان الاسرائيلي لتتعمق الشكوى والفجوة.
انخراط المسؤولين لم يُجِب عن الاسئلة المهمة حول مستقبل العلاقة مع الكيان، ومستقبل الاقتصاد في ظل الضغوط الجديدة التي ستعانيها الطبقة المتوسطة، وستدفع ثمنها حكمًا وحتمًا الطبقة الفقيرة؛ فاهتزاز وتآكل الطبقة المتوسطة سيعني مزيداً من الفقر ومزيداً من البطالة، وهي أزمات لم تعالجها التحديثات السياسية، ولن يعالجها مجلس الامن القومي؛ فالتحدي الاقتصادي يعني العامة من الناس، وهو أمر تهربت منه النخبة إلى الحديث عن تطوير أضعف قدرة الحكومة والبرلمان على التأثير السياسي والاقتصادي؛ إذ لم تعالج ازمة المجتمع، بل جاءت لمعالجة أزمة الحكم والنخبة!
الرأي العام محبط، ومساحة التعبير ستزداد بمرور الوقت بحجة مخاطر الحزبية وفزاعتها، لتبقى المُشْكلة بدون حل؛ فالمشاكل لن تعالجها الثورة الصناعية الرابعة التي ستُنتج جيلًا جديدًا يمكن تسميته جيل "الريع المعاصر" أو "الاستهلاك المقنع".
ختامًا..
تصريحات الراءات الأربعة (الروابدة والرفاعي والرزاز وبشر الخصاونة) لا تُوصل القارئ والمتابع للشأن المحلي الاردني الى نتيجة عملية لطبيعة المرحلة او المستقبل، بل تزيده احباطا وهو يرى السفير الاردني لدى الكيان غسان مجلي يلتقي وزيرة البيئة الاسرائيلية في القدس للحديث حول "اتفاق الماء والكهرباء"؛ فالنقاشات في مجملها لا يخرج عن سياق التبرير في محاولة للاستدراك على انتقادات غياب الحوار والقراءات المعمقة والشرح المفصل للجمهور الذي بات قلقًا من كل شيء.