اخبار البلد -
نقف أمام المشهد الأخير في التعديلات الدستورية التي تقدمت بها الحكومة، فبعد إقرارها من قبل مجلس النواب بأغلبية 104 أصوات من أصل 112 نائبا، سترسل هذه التعديلات إلى الغرفة التشريعية الثانية وهي مجلس الأعيان، وستقر بأغلبية تفوق ما حصلت عليه في مجلس النواب، ثم المراحل القانونية الأخرى وتتمثل بتوقيع الملك ونشرها في الجريدة الرسمية.
كل ما يقال حاليا هو بكاء على اللبن المسكوب الذي شربته الأرض وأخرجت لسانها لصاحب الإناء المكسور. أو كأنه بكاء على الأطلال، أو كحال رجل من الأعراب أغير على إبله وأخذت منه، فلما تواروا صعد أكمة وجعل يشتمهم، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله، فقال: أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل.
البيانات والوقفات العشائرية والشبابية في بعض المدن والمناشدات الحزبية وانتقادات مؤسسات المجتمع المدني وبوستات وتغريدات النشطاء والكتابات، جميعها لعب في الوقت الضائع، استنهاض لكل الطاقات في وقت أطلق فيه الحكم صافرة النهاية، وأشعر أحيانا بأنها نوع من رفع العتب، أو تسجيل موقف، أو تعبير عن حالة اليأس وعدم يقين، أو هي أضعف الإيمان.
ومرد إحساسي هذا إلى أن جميع ما يقال من قبل الجميع هو موجه إلى جهة مجهولة، وكأنهم يتحدثون عن شيء خفي لا يُرَى بالعين المجردة.
المخاطب في اللغة غير مصرح به في هذه البيانات، وعدم تحديد الجهة المُخاطَبة هو بحد ذاته حاله من فقدان الأمل والانسحاب من المشهد بعد.
وثمة من سيجعل التعديلات الدستورية الجديدة برنامجا انتخابيا له في الانتخابات البلدية والبرلمانية القادمة، وهذا حقه وشأنه، لكن الطلب من الدولة التراجع عن التعديلات الأخيرة، يحتاج إلى تعب وسنوات من الجهد والنضال السياسي، والحوار مع رأس الدولة بعد تبديد الشكوك والمخاوف.
وربما لن تُفعل بعض التعديلات وإنما ستوضع في مكان أمين لحين الحاجة لها في المستقبل.
نقطة ضعف هذه التعديلات التي تتعلق بالدستور أنها أقرت باستعجال من قبل الحكومة والنواب، وكأن هناك من يركض خلفهم ويطاردهم، ولم تسع أي جهة رسمية، إلى شرحها للمواطنين، وتقديم التبريرات القانونية والوطنية والأمنية المتعلقة بها.
شعر المواطن ان دستوره أُخذ منه عَنْوة دون حتى أن يُؤخذ برأيه، ولو من رفع العتب!
لذلك، ربما تحتاج هذه التعديلات إلى التحدث إلى الناس مباشرة؛ لإزالة الغشاوة، وتبديد المخاوف، وهذا أضعف الإيمان.