في الوقت الذي يُعاني فيه لبنان الشقيق حالاً غير مسبوقة, من الانهيارات الاقتصادية والمالية والمعيشية والخدمية وخصوصاً السياسية التي أوصلته–أو كادت- إلى «التربّع» على قائمة الدول الفاشلة، وفيما تواصل الطبقة السياسية الفاسدة التي راكمت بلاد الأرز، معاركها الكلامية التي تستبطن التأكيد على ارتباطاتها الإقليمية والدولية، خاصّة في هذا العام الذي سيشهد انتخابات برلمانية (15 أيار/القريب) والرئاسية (31/10/2022) بافتراض سماح ظروف داخلية وبخاصّة أمنية، إضافة -وهو الأهم- حال توفّر الدعم الإقليمي/والدولي.
في أجواء مأزومة ومُحتنقة حدود الانفجار الشامل الذي يتوقّعه كثيرون قبل الاستحقاقيْين المذكورين، برزَ في الأثناء رئيس حزب القوات اللبنانية اليميني/بل الفاشيّ سمير جعجع, معلناً في تبجحٍ وثقة مُفرطة في النفس (لا يعلم أحد مصدرها) أنّه مُرشّح «طبيعي»، وليس مرشحاً بالمعنى الكلاسيكيّ، إذ انّه (كما قال في غطرسة) «رئيس أكبر حزب مسيحي في لبنان بالوقت الرّاهن»، لكن –أضاف- القضية الأهم هي –وقبل الوصول إلى الرئاسة- إيجاد جمهورية فِعلية.
تفكيك عبارة جعجع هذه, يعني أنّ أمير الحرب الأهلية المحكوم من أعلى هيئة قضائية بالسجن المؤبد جراء جرائم القتل المُوثّقة التي ارتكبها, ومنهم رئيس الوزراء السُنِّي/رشيد كرامي وزعيم حزب المردة طوني فرنجية/الماروني وعائلته, (خرجَ جعجع من السجن بعفو خاصّ من مجلس النواب, أو قل صفقة بين زعماء الطبقة السياسية الفاسدة، ومعظمهم لوردات الحرب الأهلية، وليس بقرار من المحكمة).. نقول: يُريد جعجع قبل أن يسكن قصر بعبدا الرئاسي، تفصيل جمهورية على مقاسه وفق الأيديولوجية الانعزالية/الفاشية التي يعتنقها، مُعتقداً أنّ الظرووف الإقليمية/والدولية باتت مواتية له, بعد أن أوصل هو ورهط داعميه على الساحة اللبنانية وخارجها توتير الأجواء ورفع منسوب الشحن الطائفي/والمذهبي، وتحديداً عبر بروفة الحرب الأهلية «الجديدة» التي خطّط لها عندما دبّر «كمين الطيونة», بهدف استدراج طائفة لبنانية وازنة، أراد ممثلوها تسيير مظاهرة مدنية تمّ التنسيق لإجرائها مع الجهات الأمنية، ما أسهم في سقوط «7» ضحايا وعشرات الجرحى, فيما لم يسقط أيّ جريح/أو قتيل من الذين جهّزهم جعجع عسكرياً, وأشرف على تعيين مواقعهم ثمّ تولّى إخفاءهم في قلعته المُحصّنة التي كلّف بناؤها ملايين الدولارات. تقول مصادر عديدة إنّها تحوي أسلحة هجومية مُتقدمة, وهو ما أظهرته بنادق قناصة «كمين الطيونة» في 14/10/2021.
يراهن جعجع أو هكذا يعتقد, على الضعف والتراجع الذي أصاب الحضور السياسي/والشعبي لتيار خصمه رئيس الجمهورية ميشال عون, وخصوصاً عدوه اللدود رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل/صهر رئيس الجمهورية. خاصة الصدع «الِنسبي» الذي أصاب تحالف التيار/مع حزب الله، والمعروف «تفاهم مار مخايل", الذي وقّعه الحزبان في 6 شباط 2006.
بل هو لم يكثف بناء توقعاته على هذا المُعطى الجديد, وإن ليس المؤكد على ما ذهبت إليه تصريحات المسؤولين في طرفي التفاهم، بل وأيضاً على ما لم يُؤكّد بعد, وهو عزوف حليفه السابق، بل عدوّه اللاحق رئيس تيار المستقبل/"السنيّ» سعد الحريري, الذي لم يُبدِ (حتّى الآن) حماسة أو لم يُطلق أيّ إشارة, على رغبته–أو عدمها- بخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة. وإن كان أطلق أول أمس, تصريحاً لافتاً في مضمونه وتوقيته, بإعلان اعتذاره عن «عدم» المشاركة في «الحوار الوطني» الذي دعا إليه رئيس الجمهورية, مُبلغاً الجنرال عون أنّ الحوار هذا «يجب أن يكون بعد الانتخابات البرلمانية وليس قبلها».
جعجع الذي ظنّ أنّه قادر على وضع سُنّة التيار تحت عباءته الطائفية/والمذهبية، بل العنصرية، زعم في مقابلة تلفزيونية مُطولة.. في استعلاء وغرور, رداً على سؤال عن «حلفاء» حزبه، قائلاً: انتظروا وسَتروّن مَن من هم حلفاء القوات، وكلّ من يُشاركنا المقاربة في خلاص البلد هو حليف لنا، مُضيفاً «وأغلبية السُنّة هم حلفاؤنا». وهي تصريحات أثارت حفيظة وغضب أحمد الحريري أمين عام تيار المستقبل/أبرز أحزاب السُنّة, الذي شنّ هجوماً لاذعاً وغير مسبوق في حدّته وأبعاده على جعجع داعياً إياه إلى ترك أكثرية السّنّة في.."حالها». والأهم هو أنّه قطع الطريق على أي إمكانية للتحالف مع حزب جعجع, فيما بقي وليد جنبلاط وحيداً حتى الآن.. حليفاً لجعجع.
يدرك جعجع (الداعي إلى فدرَلَة لبنان إدارياً/ومالياً) في قرارة نفسه, استحالة وصوله إلى قصر بعبدا رئيساً, مهما كان حجم وقوة وتعدّد تحالفاته الداخلية وحتّى تلك الإقليمية/والدولية، ورغم دعم الكنيسة المارونية له, خاصّة بعد ما وقف جعجع بقوّة خلف دعوة البطريرك الماروني/والأرثوذكسي أيضاً, إلى حياد لبنان وارتفاع توقعات جعجع بتصويت المُتشرين/المُغتربين لصالح حزبه, بعدما تبيّن أنّ أغلبيتهم مسيحية (وفق الإحصاءات) إضافة وخصوصاً أنّ أطراف ما يسمّى ثورة تشرين 2019، رفضت بحزم التحالف والتنسيق مع جعجع وحزبه، مُعتبرة إياه جزءاً من المنظومة السياسية الفاسدة التي أوصلت لبنان إلى حال الانهيارات الرّاهنة, على قاعدة «كُلّن يعني كُلّن».
من السابق لأوانه التكهّن بالمدى الذي ستصل إليه محاولات جعجع ترشيح نفسه للمنصب الرئاسي, في ضوء عدم اليقين بإمكانية إجراء الانتخابات/البرلمانية في موعدها أيار الوشيك، ما سيُعطل الانتخابات الرئاسية كون البرلمان هو الذي يَنتخِب رئيس الجمهورية.