اخبار البلد -
يخوض شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب جملةً من المعارك الفكرية على أكثر من جبهة، أكثرها حضوراً الجدل الدائر حول تجديد الخطاب الديني بالصورة التي يدعمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو الذي صرح سابقاً في حضور الطيب: «تعبتني يا فضيلة الإمام»، ومع أنه لا توجد مؤشرات لتوجه الرئيس المصري لعزل شيخ الأزهر، فإن الشيخ يبقى محصناً بالمادة السابعة من الدستور المصري.
المعركة الأخرى، المزمنة والمتجددة، تتمثل في صراع الشيخ مع التيارات المتطرفة، وهي التي اكتسبت الزخم من جديد بعد عودة حركة طالبان للسيطرة في أفغانستان، وهو الأمر الذي تفاعل معه الشيخ الطيب في تغريدة باللغة الأردية، الشائعة في أفغانستان، تؤكد على حقوق المرأة في التعليم والكرامة، وتلت هذه التغريدة وفي موسم الخلاف السنوي حول جواز تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد أتت التهنئة لبابا الفاتيكان وبابا الكنيسة القبطية وشخصيات كنسية أخرى، مشفوعةً بوصف الشيخ للمسيحيين بالأخوة.
أنشطة الطيب في السنة الأخيرة تؤشر إلى قراره بأن يقطع الطريق على تجديد الخطاب الديني من خارج المؤسسة الدينية، أي الانفتاح على فكرة النقد التي يمكن أن تصل إلى فضاء واسع من التأويل يجعل من طروحات مثل التي قدمها المفكر محمد شحرور أساساً للترويج والاستناد والمرجعية، ويبقى التساؤل المتعلق بالنوايا غير مناسب وغير منتج، فلا مجال للتشكك في نية الشيخ مصادرة جهود التجديد والحصول على تجديد ليس بعيداً عن الوضع القائم في الخطاب الأزهري المتشكل خلال العقود الأخيرة والذي تأثر بتيارات أخرى منها التيارات المتشددة، حيث إن الشيخ يطلق من طرفه تحصيناً ضد مصطلح التكفير ويعلن أنه لا يمكن تكفير أي مسلم مهما ارتكب من فظائع، طالما أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو ما ينزع فكرة إطلاق الفتاوى العشوائية لتوظيفها في الإرهاب الفكري.
إن وجود شيخ منفتح على رأس مؤسسة الأزهر يشجع على طرح الأسئلة الكبيرة، بل والتقدم تجاه أسئلة أخرى تتعلق بحرية التعبير والبحث والتفكير، والشيخ يتعامل بواقعية مع الأمر مذكراً أنه يمثل مؤسسة دينية في النهاية، وأنه يعرف حدود الأزهر في الشأن العقائدي وفي التعامل مع القضايا المختلفة المتعلقة به.
الأزهر مؤسسة تتمتع بموقع قانوني في مصر، وواجباتها محددة في الدستور والقوانين، وتلتزم الدولة المصرية بتقديم الدعم المالي الضروري لتمكين الأزهر من أداء رسالته، ومع ذلك، فالسلطة المعنوية التي يمارسها الأزهر تمتد لتفرض نفسها في جميع أرجاء العالم الإسلامي، ويعامل الشيخ الطيب لمكانته الوظيفية بالتوقير اللازم ووفق البرتوكولات التي تحدد لقادة ورؤساء الدول، والأردن بوصفه دولةً تحركت مبكراً من أجل المنافحة عن صورة الإسلام المعتدل، وخرجت برسالة عمان في الوقت الذي عملت فيه الجماعات المتطرفة على تشويه صورة الإسلام في العراق قبل أن ينطلق التوحش إلى أقصى حدوده مع تنظيم داعش، ولذلك فإنه من المناسب أن توفر الأردن بما يمتلكه من مؤسسات ومن فكر معتدل على المستويين الرسمي والشعبي شيئاً من أدواتها الإعلامية والثقافية لإسناد مؤسسة الأزهر في المسعى الذي يقوده الإمام الطيب تجاه أخذ المبادرة في عصرنة الخطاب المؤسسة العريقة، فالأزهر هو رأس مال فكري وتاريخي يتخطى الموقع المؤسسي والقانوني ليكون قاسماً مشتركاً للاعتدال والانفتاح.